السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡعَٰلِمِينَ} (22)

ولما بين تعالى دلائل الأنفس ذكر دلائل الآفاق بقوله تعالى : { ومن آياته } أي : الدالة على ذلك { خلق السماوات } على علوها وإحكامها { والأرض } على اتساعها وإتقانها ، وقدّم السماء على الأرض لأنّ السماء كالذكر لها . ولما أشار إلى دلائل الأنفس والآفاق ذكر ما هو من صفات الأنفس بقوله تعالى : { واختلاف ألسنتكم } أي : لغاتكم من العربية والعجمية وغيرهما ، ونغماتكم وهيآتها ، فلا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس ولا جهارة ولا شدّة ولا رخاوة ولا لكنة ولا فصاحة ولا غير ذلك من صفات النطق وأشكاله وأنتم من نفس واحدة { و } اختلاف { ألوانكم } من أبيض وأسود وأشقر وأسمر وغير ذلك من اختلاف الألوان وأنتم بنو رجل واحد وهو آدم عليه السلام ، والحكمة في ذلك : أنّ الإنسان يحتاج إلى التمييز بين الأشخاص ليعرف صاحب الحق من غيره والعدو من الصديق ليحترز قبل وصول العدو إليه ، وليقبل على الصديق قبل أن يفوته الإقبال عليه ، وذلك قد يكون بالبصر فخلق اختلاف الصور ، وقد يكون بالسمع فخلق اختلاف الأصوات ، وأما اللمس والشم والذوق فلا يفيد فائدة في معرفة العدو والصديق فلا يقع التمييز بين كل واحد بشكله وحليته وصورته ، ولو اتفقت الصور والأصوات وتشاكلت وكانت ضرباً واحداً لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة وربما رأيت توأمين يشتبهان في الحلية فيروك الخطأ في التمييز بينهما ، فسبحان من خلق الخلق على ما أراد وكيف أراد ، وفي ذلك آية بينة حيث ولدوا من أب واحد وتفرعوا من أصل فذ وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله تعالى مختلفون متفاوتون . ولما كان هذا مع كونه في غاية الوضوح لا يختص بجنس من الخلق دون غيره قال { إن في ذلك } أي : الأمر العظيم العالي الرتبة في بيانه وظهور برهانه { لآيات } أي : دلالات واضحات جداً على وحدانيته تعالى { للعالمين } أي : ذوي العقول والعلم لا يختص به صنف منهم دون صنف من جنّ ولا أنس ولا غيرهم ، فهذا هو حكمة قوله تعالى هنا للعالمين وفيما تقدّم بقوله تعالى : { لقوم يتفكرون } ، ( يونس : 24 ) وقرأ حفص وحده بكسر اللام .