ثم قال تعالى : { إذ دخلوا على داوود } والفائدة فيه أنهم ربما تسوروا المحراب وما دخلوا عليه ، فلما قال : { إذ دخلوا عليه } دل على أنهم بعد التسور دخلوا عليه ، قال الفراء : وقد يجاء بإذ مرتين ويكون معناهما كالواحد ، كقولك ضربتك إذ دخلت علي إذ اجترأت ، مع أنه يكون وقت الدخول ووقت الاجتراء واحدا ، ثم قال تعالى : { ففزع منهم } والسبب أن داود عليه السلام لما رآهما قد دخلوا عليه لا من الطريق المعتاد ، علم أنهم إنما دخلوا عليه للشر ، فلا جرم فزع منهم ، ثم قال تعالى : { قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : خصمان خبر مبتدأ محذوف ، أي نحن خصمان .
المسألة الثانية : ههنا قولان الأول : أنهما كانا ملكين نزلا من السماء وأرادا تنبيه داود عليه السلام على قبح العمل الذي أقدم عليه والثاني : أنهما كانا إنسانين دخلا عليه للشر والقتل ، فظنا أنهما يجدانه خاليا ، فلما رأيا عنده جماعة من الخدم اختلقا ذلك الكذب لدفع الشر ، وأما المنكرون لكونهما ملكين فقد احتجوا عليه بأنهما لو كانا ملكين لكانا كاذبين في قولهما { خصمان } فإنه ليس بين الملائكة خصومة ، ولكانا كاذبين في قولهما : { بغى بعضهم على بعض } ، ولكانا كاذبين في قولهما : { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة } فثبت أنهما لو كانا ملكين كاذبين والكذب على الملك غير جائز لقوله تعالى : { لا يسبقونه بالقول } ولقوله : { ويفعلون ما يؤمرون } أجاب الذاهبون إلى القول الأول عن هذا الكلام بأن قالوا إن الملكين إنما ذكرا هذا الكلام على سبيل ضرب المثل لا على سبيل التحقيق فلم يلزم الكذب ، وأجيب عن هذا الجواب بأن ما ذكرتم يقتضي العدول عن ظاهر اللفظ ، ومعلوم أنه على خلاف الأصل ، أما إذا حملنا الكلام على أن الخصمين كانا رجلين دخلا عليه لغرض الشر ثم وضعا هذا الحديث الباطل ، فحينئذ لزم إسناد الكذب إلى شخصين فاسقين فكان هذا أولى من القول الأول ، والله أعلم ، وأما القائلون بكونهما ملكين فقد احتجوا بوجوه الأول : اتفاق أكثر المفسرين عليه والثاني : أنه أرفع منزلة من أن يتسور عليه آحاد الرعية في حال تعبده فيجب أن يكون ذلك من الملائكة الثالث : أن قوله تعالى : { قالوا لا تخف } كالدلالة على كونهما ملكين لأن من هو من رعيته لا يكاد يقول له مثل ذلك مع رفعة منزلته الرابع : أن قولهما : { ولا تشطط } كالدلالة على كونهما ملكين لأن أحدا من رعيته لا يتجاسر أن يقول له لا تظلم ولا تتجاوز عن الحق ، واعلم أن ضعف هذه الدلائل ظاهر ، ولا حاجة إلى الجواب ، والله أعلم .
المسألة الثالثة : { بغى بعضنا على بعض } أي تعدى وخرج عن الحد يقال بغى الجرح إذا أفرط وجعه وانتهى إلى الغاية ، وقال بغت المرأة إذا زنت ، لأن الزنا كبيرة منكرة ، قال تعالى : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } ثم قال : { فاحكم بيننا بالحق } معنى الحكم إحكام الأمر في إمضاء تكليف الله عليهما في الواقعة ، ومنه حكمة الدابة لأنها تمنع من الجماح ، ومنه بناء محكم إذا كان قويا ، وقوله : { بالحق } أي بالحكم الحق وهو الذي حكم الله به { ولا تشطط } يقال شط الرجل إذا بعد ، ومنه قوله : شطت الدار إذا بعدت ، قال تعالى : { لقد قلنا إذا شططا } أي قولا بعيدا عن الحق ، فقوله : { ولا تشطط } أي لا تبعد في هذا الحكم عن الحق ، ثم قال : { واهدنا إلى سواء الصراط } وسواء الصراط هو وسطه ، قال تعالى : { فاطلع فرآه في سواء الجحيم } ووسط الشيء أفضله وأعدله ، قال تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } وأقول إنهم عبروا عن المقصود الواحد بثلاث عبارات أولها : قولهم فاحكم بالحق وثانيها : قولهم : { ولا تشطط } وهي نهي عن الباطل وثالثها : قولهم : { واهدنا إلى سواء الصراط } يعني يجب أن يكون سعيك في إيجاد هذا الحق . وفي الاحتراز عن هذا الباطل أن تردنا من الطريق الباطل إلى الطريق الحق ، وهذا مبالغة تامة في تقرير المطلوب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.