مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدٗا} (131)

قوله تعالى { ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا }

وفي تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان : الأول : أنه تعالى لما ذكر أنه يغني كلا من سعته ، وأنه واسع أشار إلى ما هو كالتفسير لكونه واسعا فقال { ولله ما في السموات وما في الأرض } يعني من كان كذلك فإنه لابد وأن يكون واسع القدرة والعلم والجود والفضل والرحمة . الثاني : أنه تعالى لما أمر بالعدل والإحسان إلى اليتامى والمساكين بين أنه ما أمر بهذه الأشياء لاحتياجه إلى أعمال العباد ، لأن مالك السماوات والأرض كيف يعقل أن يكون محتاجا إلى عمل الإنسان مع ما هو عليه من الضعف والقصور ، بل إنما أمر بها رعاية لما هو الأحسن لهم في دنياهم وأخراهم .

ثم قال تعالى : { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : المراد بالآية أن الأمر بتقوى الله شريعة عامة لجميع الأمم لم يلحقها نسخ ولا تبديل ، بل هو وصية الله في الأولين والآخرين .

المسألة الثانية : قوله { من قبلكم } فيه وجهان : الأول : أنه متعلق بوصينا ، يعني ولقد وصينا من قبلكم الذين أوتوا الكتاب . والثاني : أنه متعلق بأوتوا ، يعني الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وصيناهم بذلك . وقوله { وإياكم } بالعطف على { الذين أوتوا الكتاب } والكتاب اسم للجنس يتناول الكتب السماوية ، والمراد اليهود والنصارى .

المسألة الثالثة : قوله { أن اتقوا الله } كقولك : أمرتك الخير ، قال الكسائي : يقال أوصيتك أن افعل كذا وأن تفعل كذا ، ويقال : ألم آمرك أن ائت زيدا ، وأن تأتي زيدا ، قال تعالى : { أمرت أن أكون أول من أسلم } وقال { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة } .

ثم قال تعالى : { وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا } قوله { وإن تكفروا } عطف على قوله { اتقوا الله } والمعنى : أمرناهم وأمرناكم بالتقوى ، وقلنا لهم ولكم : إن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض . وفيه وجهان : الأول : أنه تعالى خالقهم ومالكهم والمنعم عليهم بأصناف النعم كلها ، فحق كل عاقل أن يكون منقادا لأوامره ونواهيه يرجو ثوابه ويخاف عقابه ، والثاني : أنكم إن تكفروا فإن لله ما في سماواته وما في أرضه من أصناف المخلوقات من يعبده ويتقيه ، وكان مع ذلك غنيا عن خلقهم وعن عبادتهم ، ومستحقا لأن يحمد لكثرة نعمه ، وإن لم يحمده أحد منهم فهو في ذاته محمود سواء حمدوه أو لم يحمدوه .