مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (85)

فإن قيل أي فرق بين قوله { فلم يك ينفعهم إيمانهم } وبين ما لو قيل فلم ينفعهم إيمانهم ؟ قلنا هو مثل كان في نحو قوله { ما كان لله أن يتخذ من ولد } والمعنى فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم ، فإن قيل اذكروا ضابطا في الوقت الذي لا ينفع الإتيان بالإيمان فيه ، قلنا إنه الوقت الذي يعاين فيه نزول ملائكة الرحمة والعذاب ، لأن في ذلك الوقت يصير المرء ملجأ إلى الإيمان فذلك الإيمان لا ينفع إنما ينفع مع القدرة على خلافه ، حتى يكون المرء مختارا ، أما إذا عاينوا علامات الآخرة فلا .

ثم قال تعالى : { سنة الله التي قد خلت في عباده } والمعنى أن عدم قبول الإيمان حال اليأس سنة الله مطردة في كل الأمم .

ثم قال : { وخسر هنالك الكافرون } فقوله { هنالك } مستعار للزمان أي وخسروا وقت رؤية البأس ، والله الهادي للصواب .

ثم تفسير هذه السورة يوم السبت الثاني من ذي الحجة من سنة ثلاث وستمائة من الهجرة في بلدة هراة .

يا من لا يبلغ أدنى ما ستأثرت به جلالك وعزتك أقصى نعوت الناعتين ، يا من تقاصرت عن الإحاطة بمبادئ أسرار كبريائه أفهام المتفكرين ، وأنظار المتأملين . لا تجعلنا بفضلك ورحمتك في زمرة الخاسرين المبطلين . ولا تجعلنا يوم القيامة من المحرومين ، فإنك أكرم الأكرمين ، وأرحم الراحمين .

والحمد لله رب العالمين ، وصلوات الله على سيدنا محمد النبي ولآله وصحبه أجمعين .