فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (85)

{ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا } أي عند معاينة عذابنا لأن ذلك الإيمان ليس بالإيمان النافع لصاحبه ، فإنه إنما ينفع الإيمان الاختياري لا الإيمان الاضطراري ، والفاآت من قوله : فما أغنى إلى هنا أربع : الأولى لبيان عاقبة كثرتهم وشدة قوتهم ، أي أن عاقبتها خلاف وضد ما كانوا يؤملونه منها ، وهو نفعها ، فلم يترتب عليها ، بل ترتب عدمه ، كقولك : وعظته فلم يتعظ ، والثانية تشير لتفصيل ما أبهم وأجمل من عدم الإغناء ، والثالثة لمجرد التعقيب ، وجعل ما بعدها تابعا لما قبلها واقعا عقبيه ، لأن مضمون قوله :

فلما جاءتهم الخ أنهم كفروا فكأنه قيل . فكفروا ثم لما رأوا بأسنا آمنوا والرابعة للعطف على آمنوا ، كأنه قيل : فآمنوا فلم ينفعهم ، لأن النافع هو الإيمان الاختياري{[1461]} .

{ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ } أي مضت { فِي عِبَادِهِ } المعنى أن الله سبحانه سن هذه السنة في الأمم كلها أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب ، وقد مضى بيان هذا مستوفى في سورة النساء وسورة التوبة ، وانتصاب سنة على أنها مصدر مؤكد لفعل محذوف بمنزلة وعد الله ، وما أشبهه من المصادر المؤكدة ، وقيل منصوب على التحذير أي احذروا يا أهل مكة سنة الله في الأمم الماضية ، والأول أولى .

{ وَ } قد { خَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } أي وقعت رؤيتهم بأس الله ، ومعاينتهم لعذابه على أنه اسم مكان قد استعير للزمان كما سلف آنفا قاله أبو السعود وقال السمين : لا يحتاج لهذا ، بل يصح إبقاؤه على أصله ، قال الزجاج : الكافر خاسر في كل وقت ، ولكنه يتبين لهم خسرانهم إذا رأوا العذاب .


[1461]:زاد المسير /238.