السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (85)

ولما كان الكفر بالغيب سبباً لعدم قبول الإيمان عند الشهادة قال تعالى : { فلم يك ينفعهم } أي : لم يصح ولم يقبل بوجه من الوجوه { إيمانهم } أي : لا يتجدد لهم نفعه بعد ذلك لأنه إيمان الجاء واضطرار ، لا إيمان طواعية واختيار { لما رأوا } وأظهر موضع الإضمار زيادة في الترهيب فقال تعالى شأنه : { بأسنا } أي : عذابنا لامتناع قبول الإيمان حينئذ لأنه لا يتحقق ولا يتصور إلا مع الغيب ، وأما عند الشهادة فقد كشفت سريرته على انه قد فاتت حقيقته وصورته ، ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه ، فإن قيل : أي : فرق بين قوله تعالى : { فلم يك ينفعهم إيمانهم } وبينه ، لو قيل فلم ينفعهم إيمانهم ؟ أجيب : بأنه من كان في نحو قوله تعالى : { ما كان لله أن يتخذ من ولد } ( مريم : 35 ) والمعنى فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم . فإن قيل : كيف ترادفت هذه الفاءات ؟ أجيب : بأن قوله تعالى : { فما أغنى عنهم } نتيجة قوله تعالى : { كانوا أكثر منهم } وأما قوله تعالى : { فلما جاءتهم رسلهم } فجار مجرى البيان والتفسير لقوله تعالى : { فما أغنى عنهم } كقولك رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء وقوله تعالى { فلما رأوا بأسنا } تابع لقوله تعالى : { فلما جاءتهم } كأنه قال : فكفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا فكذلك فلم يك ينفعهم إيمانهم تابع لإيمانهم لما رأوا بأس الله تعالى ، وقوله تعالى : { سنة الله } أي : الملك الأعظم ، يجوز انتصابها على المصدر المؤكد لمضمون الجملة أي : الذي فعله الله تعالى بهم سنة سابقة من الله تعالى ويجوز انتصابها على التحذير أي : احذروا سنة الله تعالى في المكذبين { التي قد خلت في عباده } وتلك السنة أنهم إذا عاينوا العذاب آمنوا ولم ينفعهم إيمانهم .

فائدة : رسمت سنة بتاء مجرورة ووقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء ، والباقون بالتاء ، وأمال الكسائي الهاء في الوقف { وخسر } أي : هلك أي : تحقق وتبين أنه خسر { هنالك الكافرون } أي : العريقون في هذا الوصف فلا انفكاك بينهم وبين الكفر .

تنبيه : هنالك في الأصل اسم مكان قيل : استعير هنا للزمان ولا حاجة له فالمكانية فيه ظاهرة ، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة المؤمن لم يبق روح نبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا صلى عليه واستغفر له » حديث موضوع . وعن ابن سيرين رأى رجل في المنام سبع جوار حسان في مكان واحد لم ير أحسن منهن فقال لهن : لمن أنتن فقلن لمن يقرأ آل حم .