مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ} (35)

ولما أرشد الله تعالى إلى هذا الطريق النافع في الدين والدنيا والآخرة عظمة فقال : { وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } قال الزجاج : أي وما يلقى هذه الفعلة إلا الذين صبروا على تحمل المكاره وتجرع الشدائد وكظم الغيظ وترك الانتقام .

ثم قال : { وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } من الفضائل النفسانية والدرجة العالية في القوة الروحانية ، فإن الاشتغال بالانتقام والدفع لا يحصل إلا بعد تأثر النفس ، وتأثر النفس من الواردات الخارجية لا يحصل إلا عند ضعف النفس فأما إذا كانت النفس قوية الجوهر لم تتأثر من الواردات الخارجية ، وإذا لم تتأثر منها لم تضعف ولم تتأذ ولم تشتغل بالانتقام ، فثبت أن هذه السيرة التي شرحناها لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم من قوة النفس وصفاء الجوهر وطهارة الذات ، ويحتمل أن يكون المراد : وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم من ثواب الآخرة ، فعلى هذا الوجه قوله { وما يلقاها إلا الذين صبروا } مدح بفعل الصبر ، وقوله { وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } وعد بأعظم الحظ من الثواب .