الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ} (35)

ثم قال تعالى جل ذكره { وما يلقاها إلى الذين صبروا } أي : وما يعطى دفع السيئة{[60419]} بالحسنة إلا الذين صبروا – لله – على المكاره والأمور الشاقة { وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } أي : وما يعطى ذلك إلا ذو نصيب وافر من الخير .

وقيل : المعنى : ما يلقى شهادة ألا إله إلا الله إلا الذين صبروا على المكاره والأذى في الله عز وجل ، وما يلقى ذلك إلا ذو حظ عظيم في الآخرة{[60420]} .

ونزل هذا كله بمكة والمؤمنون يؤذون على الإيمان ، ويمتحنون ويعذبون حتى فروا إلى أرض الحبشة .

وقيل : إنها والتي قبلها نزلتا{[60421]} في أبي بكر رضي الله عنه . ثم هي عامة في كل من كان على طريقته ومنهاجه .

وقال قتادة : الحظ العظيم هنا{[60422]} : الجنة : وقاله ابن عباس أيضا{[60423]} .

وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه شتمه رجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد فعفا عنه ساعة ، ثم إن{[60424]} أبا بكر جاش به الغضب فرد عليه ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، فاتبعه أبو بكر وقال : يا نبي الله شتمني{[60425]} الرجل فعفوت وصفحت وأنت قاعد ، فلما أخذت أنتصر قمت ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " إنه كان يرد عليه ملك من الملائكة ، فلما أخذت تنتصر ذهب الملك وجاء الشيطان ، فوالله ما كنت لأجالس الشيطان يا أبا بكر " {[60426]} .


[60419]:(ح): السيئات.
[60420]:عقب ابن عطبة على هذا بقوله: (وهذا تفسير لا يقتضيه اللفظ) انظر: المحرر الوجيز 14/186.
[60421]:(ت): نزلت.
[60422]:(ح): هاهنا.
[60423]:انظر: جامع البيان 24/75 ونسبه القرطبي في جامعه لمجاهد وقتادة 15/263.
[60424]:فوق السطر في (ت).
[60425]:(ت): شمتني.
[60426]:أخرجه أحمد 2/436 عن أبي هريرة، وأخرجه الطبري في جامع البيان 24/76 كلاهما بالمعنى. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/189 كتاب البر، باب مكارم الأخلاق – بعدما ذكر الحديث - : ورجال أحمد رجال الصحيح.