قوله تعالى : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } وعلم أنا بينا أن الكلام من أول السورة ابتدئ من أن الله حكى عنهم أنهم قالوا { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه } فأظهروا من أنفسهم الإصرار الشديد على أديانهم القديمة وعدم التأثر بدلائل محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم إنه تعالى أطنب في الجواب عنه وذكر الوجوه الكثيرة وأردفها بالوعد والوعيد ، ثم حكى عنهم شبهة أخرى وهي قولهم { لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه } وأجاب عنها أيضا بالوجوه الكثيرة ، ثم إنه تعالى بعد الإطناب في الجواب عن تلك الشبهات رغب محمدا صلى الله عليه وسلم في أن لا يترك الدعوة إلى الله فابتدأ أولا بأن قال : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } فلهم الثواب العظيم ثم ترقى من تلك الدرجة إلى درجة أخرى وهي أن الدعوة إلى الله من أعظم الدرجات ، فصار الكلام من أول السورة إلى هذا الموضع واقعا على أحسن وجوه الترتيب ، ثم كأن سائلا سأل فقال إن الدعوة إلى الله وإن كانت طاعة عظيمة ، إلا أن الصبر على سفاهة هؤلاء الكفار شديد لا طاقة لنا به ، فعند هذا ذكر الله ما يصلح لأن يكون دافعا لهذا الإشكال فقال : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } والمراد بالحسنة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدين الحق ، والصبر على جهالة الكفار ، وترك الانتقام ، وترك الالتفات إليهم ، والمراد بالسيئة ما أظهروه من الجلافة في قولهم { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه } وما ذكروه في قولهم { لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه } فكأنه قال يا محمد فعلك حسنة وفعلهم سيئة ، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ، بمعنى أنك إذا أتيت بهذه الحسنة تكون مستوجبا للتعظيم في الدنيا والثواب في الآخرة ، وهم بالضد من ذلك ، فلا ينبغي أن يكون إقدامهم على تلك السيئة مانعا لك من الاشتغال بهذه الحسنة .
ثم قال : { ادفع بالتي هي أحسن } يعني ادفع سفاهتهم وجهالتهم بالطريق الذي هو أحسن الطرق ، فإنك إذا صبرت على سوء أخلاقهم مرة بعد أخرى ، ولم تقابل سفاهتهم بالغضب ولا إضرارهم بالإيذاء والإيحاش استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة وتركوا تلك الأفعال القبيحة .
ثم قال : { فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } يعني إذا قابلت إساءتهم بالإحسان ، وأفعالهم القبيحة بالأفعال الحسنة تركوا أفعالهم القبيحة وانقلبوا من العداوة إلى المحبة ومن البغضة إلى المودة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.