قوله تعالى : { ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه } وفيه لطيفة ، وهي أن الله تعالى ذكر أمرين : ضرب الوجه ، وضرب الأدبار ، وذكر بعدهما أمرين آخرين : اتباع ما أسخط الله وكراهة رضوانه ، فكأنه تعالى قابل الأمرين فقال : { يضربون وجوههم } حيث أقبلوا على سخط الله ، فإن المتسع للشيء متوجه إليه ، ويضربون أدبارهم لأنهم تولوا عما فيه رضا الله ، فإن الكاره للشيء يتولى عنه ، وما أسخط الله يحتمل وجوها ( الأول ) إنكار الرسول عليه الصلاة والسلام ورضوانه الإقرار به والإسلام ( الثاني ) الكفر هو ما أسخط الله والإيمان يرضيه يدل عليه قوله تعالى : { إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم } وقال تعالى : { إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } إلى أن قال : { رضي الله عنهم ورضوا عنه } ( الثالث ) ما أسخط الله تسويل الشيطان ، ورضوان الله التعويل على البرهان والقرآن ، فإن قيل هم ما كانوا يكرهون رضوان الله ، بل كانوا يقولون : إن ما نحن عليه فيه رضوان الله ، ولا نطلب إلا رضاء الله ، وكيف لا والمشركون بإشراكهم كانوا يقولون : إنا نطلب رضاء الله . كما قالوا { ليقربونا إلى الله زلفى } وقالوا { فيشفعوا لنا } فنقول معناه كرهوا ما فيه رضاء الله تعالى .
وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال : { ما أسخط الله } ولم يقل : ما أرضى الله وذلك لأن رحمة الله سابقة ، فله رحمة ثابتة وهي منشأ الرضوان ، وغضب الله متأخر فهو يكون على ذنب ، فقال : { رضوانه } لأنه وصف ثابت لله سابق ، ولم يقل سخط الله ، بل { ما أسخط الله } إشارة إلى أن السخط ليس ثبوته كثبوت الرضوان ، ولهذا المعنى قال في اللعان في حق المرأة { والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين } يقال : { غضب الله } مضافا لأن لعانه قد سبق مظهر الزنا بقوله وأيمانه ، وقبله لم يكن لله غضب ، و { رضوان الله } أمر يكون منه الفعل ، وغضب الله أمر يكون من فعله ، ولنضرب له مثالا : الكريم الذي رسخ الكرم في نفسه يحمله الكرم على الأفعال الحسنة ، فإذا كثر من السيء الإساءة فغضبه لا لأمر يعود إليه ، بل غضبه عليه يكون لإصلاح حالة ، وزجرا لأمثاله عن مثل فعاله ، فيقال هو كان الكريم فكرمه لما فيه من الغريزة الحسنة ، لكن فلانا أغضبه وظهر منه الغضب ، فيجعل الغضب ظاهرا من الفعل ، والفعل الحسن ظاهرا من الكرم ، فالغضب في الكريم بعد فعل ، والفعل منه بعد كرم ، ومن هذا يعرف لطف قوله { ما أسخط الله وكرهوا رضوانه } .
قوله تعالى : { فأحبط أعمالهم } حيث لم يطلبوا إرضاء الله ، وإنما طلبوا إرضاء الشيطان والأصنام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.