مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (14)

قوله تعالى { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون }

والمراد أن سبيل النصارى مثل سبيل اليهود في نقض المواثيق من عند الله ، وإنما قال : { ومن الذين قالوا إنا نصارى } ولم يقل : ومن النصارى ، وذلك لأنهم إنما سموا أنفسهم بهذا الاسم ادعاء لنصرة الله تعالى ، وهم الذين قالوا لعيسى { نحن أنصار الله } فكان هذا الاسم في الحقيقة اسم مدح ، فبين الله تعالى أنهم يدعون هذه الصفة ولكنهم ليسوا موصوفين بها عند الله تعالى ، وقوله { أخذنا ميثاقهم } أي مكتوب في الإنجيل أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وتنكير { الحظ } في الآية يدل على أن المراد به حظ واحد ، وهو الذي ذكرناه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما خص هذا الواحد بالذكر مع أنهم تركوا الكثير مما أمرهم الله تعالى به لأن هذا هو المعظم والمهم ، وقوله { فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء } أي ألصقنا العداوة والبغضاء بهم ، يقال : أغرى فلان بفلان إذا ولع به كأنه ألصق به ، ويقال لما التصق به الشيء : الغراء ، وفي قوله { بينهم } وجهان : أحدهما : بين اليهود والنصارى . والثاني : بين فرق النصارى ، فإن بعضهم يكفر بعضا إلى يوم القيامة ، ونظيره قوله { أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض } وقوله { وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون } وعيد لهم .