ثم قال تعالى : { فكيف كان عذابي ونذر } وفيه وجهان : ( أحدهما ) : أن يكون ذلك استفهاما من النبي صلى الله عليه وسلم تنبيها له ووعدا بالعاقبة ( وثانيهما ) : أن يكون عاما تنبيها للخلق ونذر أسقط منه ياء الإضافة كما حذف ياء يسري في قوله تعالى : { والليل إذا يسر } وذلك عند الوقف ومثله كثير كما في قوله تعالى : { فإياي فاعبدون ولا هم ينقذون } وقوله تعالى : { يا عباد فاتقون } وقوله تعالى : { ولا تكفرون } وقرئ بإثبات الياء : { عذابي ونذري } وفيه مسائل :
الأولى : ما الذي اقتضى الفاء في قوله تعالى : { فكيف كان } ؟ نقول : أما إن قلنا إن الاستفهام من النبي صلى الله عليه وسلم ، فكأنه تعالى قال له قد علمت أخبار من كان قبلك فكيف كان أي بعدما أحاط بهم علمك بنقلها إليك ، وأما إن قلنا الاستفهام عام فنقول لما قال : { هل من مدكر } فرض وجودهم وقال : يا من يتذكر ، وعلم الحال بالتذكير : { فكيف كان عذابي } ويحتمل أن يقال : هو متصل بقوله : { فهل من مدكر } تقديره مدكر كيف كان عذابي .
المسألة الثانية : ما رأوا العذاب ولا النذر فكيف استفهم منهم ؟ نقول : أما على قولنا الاستفهام من النبي صلى الله عليه وسلم فقد علم لما علم ، وأما على قولنا عام فهو على تقدير الإدكار وعلى تقدير الادكار يعلم الحال ، ويحتمل أن يقال : إنه ليس باستفهام وإنما هو إخبار عن عظمة الأمر كما في قوله تعالى : { الحاقة ما الحاقة } و{ القارعة ما القارعة } وهذا لأن الاستفهام يذكر للإخبار كما أن صيغة هل تذكر للاستفهام فيقال زيد في الدار ؟ بمعنى هل زيد في الدار ، ويقول المنجز وعده هل صدقت ؟ فكأنه تعالى قال : عذابي وقع وكيف كان أي كان عظيما وحينئذ لا يحتاج إلى علم من يستفهم منه .
المسألة الثالثة : قال تعالى من قبل : { ففتحنا ، وفجرنا ، وبأعيننا } ولم يقل كيف كان عذابنا نقول لوجهين ( أحدهما ) : لفظي وهو أن ياء المتكلم يمكن حذفها لأنها في اللفظ تسقط كثيرا فيما إذا التقى ساكنان ، تقول : غلامي الذي ، وداري التي ، وهنا حذفت لتواخي آخر الآيات ، وأما النون والألف في ضمير الجمع فلا تحذف ( وأما الثاني ) : وهو المعنوي فنقول : إن كان الاستفهام من النبي صلى الله عليه وسلم فتوحيد الضمير للأنباء ، وفي فتحنا وفجرنا لترهيب العصاة ، ونقول : قد ذكرنا أن قوله : { مدكر } فيه إشارة إلى قوله : { ألست بربكم } فلما وحد الضمير بقوله : { ألست بربكم } قال فكيف كان .
المسألة الرابعة : النذر جمع نذير فهل هو مصدر كالنسيب والنحيب أو فاعل كالكبير والصغير ؟ نقول : أكثر المفسرين على أنه مصدر هاهنا ، أي كيف كان عاقبة عذابي وعاقبة إنذاري والظاهر أن المراد الأنباء ، أي كيف كان عاقبة أعداء الله ورسله ؟ هل أصاب العذاب من كذب الرسل أم لا ؟ فإذا علمت الحال يا محمد فاصبر فإن عاقبة أمرك كعاقبة أولئك النذر ولم يجمع العذاب لأنه مصدر ولو جمع لكان في جمعه تقدير وفرض ولا حاجة إليه ، فإن قيل : قوله تعالى : { كذبت ثمود بالنذر } أي بالإنذارات لأن الإنذارات جاءتهم ، وأما الرسل فقد جاءهم واحد ، نقول : كل من تقدم من الأمم الذين أشركوا بالله كذبوا بالرسل وقالوا : ما أنزل الله من شيء وكان المشركون مكذبين بالكل ما خلا إبراهيم عليه السلام فكانوا يعتقدون فيه الخير لكونه شيخ المرسلين فلا يقال : كذبت ثمود بالنذر ، أي بالأنبياء بأسرهم ، كما أنكم أيها المشركون تكذبون بهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.