مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِنَّ لَكَ لَأَجۡرًا غَيۡرَ مَمۡنُونٖ} (3)

الصفة الثانية : قوله : { وإن لك لأجرا غير ممنون } وفي الممنون قولان : ( أحدهما ) وهو قول الأكثرين ، أن المعنى غير منقوص ولا مقطوع يقال : منه السير أي أضعفه ، والمنين الضعيف ومن الشيء إذا قطعه ، ومنه قول لبيد :

غبش كواسب ما يمن طعامها *** . . . . . . . .

يصف كلابا ضارية ، ونظيره قوله تعالى : { عطاء غير مجذوذ } .

والقول الثاني : وهو قول مجاهد ومقاتل والكلبي ، إنه غير مقدر عليك بسبب المنة ، قالت المعتزلة في تقرير هذا الوجه : ( إنه غير ممنون ) عليك لأنه ثواب تستوجبه على عملك ، وليس بتفضل ابتداء ، والقول الأول أشبه لأن وصفه بأنه أجر يفيد أنه لا منة فيه فالحمل على هذا الوجه يكون كالتكرير ، ثم اختلفوا في أن هذا الأجر على أي شيء حصل ؟ قال قوم معناه : إن لك على احتمال هذا الطعن والقول القبيح أجرا عظيما دائما ، وقال آخرون : المراد إن لك في إظهار النبوة والمعجزات ، في دعاء الخلق إلى الله ، وفي بيان الشرع لهم هذا الأجر الخالص الدائم ، فلا تمنعك نسبتها إياك إلى الجنون عن الاشتغال بهذا المهم العظيم ، فإن لك بسببه المنزلة العالية عند الله .