السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِنَّ لَكَ لَأَجۡرًا غَيۡرَ مَمۡنُونٖ} (3)

الصفة الثانية : قوله تعالى : { وإنّ لك } أي : على ما تحملت من أثقال النبوة وعلى صبرك عليهم فيما يرمونك به وهو تسلية له صلى الله عليه وسلم { لأجرا } ، أي : ثواباً { غير ممنون } أي : مقطوع ولا منقوص في دنيا ولا آخرة ، يقال : مان الشيء إذا ضعف . ويقال : مننت الحبل إذا قطعته ، وحبل منين إذا كان غير متين ، قال لبيد :

غبساً كواسب لا يمنّ طعامها ***

أي : لا يقطع ، يصف كلاباً ضارية . ونظيره قوله تعالى : { غير مجذوذ } [ هود : 108 ] وقال مجاهد ومقاتل والكلبي : غير ممنون ، أي : غير محسوب عليك . قال الزمخشري : لأنه ثواب تستحقه على عملك وليس بتفضل ابتداء ، وإنما تمن الفواضل لا الأجور على الأعمال ، انتهى . وهذا قول المعتزلة ، فإن الله تعالى لا يجب عليه شيء . وقال الحسن : غير مكدر بالمن . وقال الضحاك رضي الله تعالى عنه : أجراً بغير عمل . واختلفوا في هذا الأجر على أي شيء حصل ، فقيل : معناه ما مرّ وقيل : معناه أنّ لك على احتمال هذا الطعن والقول القبيح أجراً عظيماً دائماً ، وقيل : إن لك في إظهار النبوة والمعجزات ، وفي دعاء الخلق إلى الله تعالى ، وفي بيان الشرع لهم هذا الأجر الخالص الدائم ، فلا تمنعنك نسبتهم إياك إلى الجنون عن الاشتغال بهذا المهم العظيم ، فإن لك بسببه المنزلة العالية .