قوله تعالى : { ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون }
اعلم أنه تعالى لما بين لنا ما كان منه مع الغضب بين في هذه الآية ما كان منه عند سكوت الغضب .
المسألة الأولى : في قوله : { سكت عن موسى الغضب } أقوال :
القول الأول : أن هذا الكلام خرج على قانون الاستعارة كأن الغضب كان يقويه على ما فعل ويقول له : قل لقومك كذا وكذا ، وألق الألواح وخذ برأس أخيك إليك ، فلما زال الغضب ، صار كأنه سكت .
والقول الثاني : وهو قول عكرمة ، أن المعنى : سكت موسى عن الغضب وقلب كما قالوا : أدخلت القلنسوة في رأسي ، والمعنى : أدخلت رأسي في القلنسوة .
القول الثالث : المراد بالسكوت السكون والزوال ، وعلى هذا جاز { سكت عن موسى الغضب } ولا يجوز صمت لأن { سكت } بمعنى سكن ، وأما صمت فمعناه سد فاه عن الكلام ، وذلك لا يجوز في الغضب .
المسألة الثانية : ظاهر الآية يدل على أنه عليه السلام لما عرف أن أخاه هرون لم يقع منه تقصير وظهر له صحة عذره ، فعند ذلك سكن غضبه . وهو الوقت الذي قال فيه : { رب اغفر لي ولأخي } وكما دعا لأخيه منبها بذلك على زوال غضبه ، لأن ذلك أول ما تقدم من أمارات غضبه على ما فعله من الأمرين ، فجعل ضد ذينك الفعلين كالعلامة لسكون غضبه .
المسألة الثالثة : قوله : { أخذ الألواح } المراد منه الألواح المذكورة في قوله تعالى : { وألقى الألواح } وظاهر هذا يدل على أن شيئا منها لم ينكسر ولم يبطل . وأن الذي قيل من أن ستة أسباع التوراة رفعت إلى السماء ليس الأمر كذلك وقوله : { وفي نسختها } النسخ ، عبارة عن النقل والتحويل فإذا كتبت كتابا عن كتاب حرفا بعد حرف ، قلت : نسخت ذلك الكتاب ، كأنك نقلت ما في الأصل إلى الكتاب الثاني . قال ابن عباس : لما ألقى موسى عليه السلام الألواح تكسرت فصام أربعين يوما ، فأعاد الله تعالى الألواح وفيها عين ما في الأولى ، فعلى هذا قوله : { وفي نسختها } أي وفيما نسخ منها . وأما إن قلنا إن الألواح لم تتكسر وأخذها موسى بأعيانها بعد ما ألقاها ، ولا شك أنها كانت مكتوبة من اللوح المحفوظ فهي أيضا تكون نسخا على هذا التقدير وقوله : { هدى ورحمة } أي { هدى } من الضلالة { ورحمة } من العذاب { للذين هم لربهم يرهبون } يريد الخائفين من ربهم .
فإن قيل : التقدير للذين يرهبون ربهم فما الفائدة في اللام في قوله : { لربهم } .
قلنا فيه وجوه : الأول : أن تأخير الفعل عن مفعوله يكسبه ضعفا فدخلت اللام للتقوية ، ونظيره قوله : { للرؤيا تعبرون } الثاني : أنها لام الأجل والمعنى : للذين هم لأجل ربهم يرهبون لا رياء ولا سمعة . الثالث : أنه قد يزاد حرف الجر في المفعول ، وإن كان الفعل متعديا كقولك قرأت في السورة وقرأت السورة ، وألقى يده وألقى بيده ، وفي القرآن { ألم يعلم بأن الله يرى } وفي موضع آخر { ويعلمون أن الله } فعلى هذا قوله { لربهم } اللام صلة وتأكيد كقوله : { ردف لكم } وقد ذكرنا مثل هذا في قوله : { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.