إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلۡغَضَبُ أَخَذَ ٱلۡأَلۡوَاحَۖ وَفِي نُسۡخَتِهَا هُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ هُمۡ لِرَبِّهِمۡ يَرۡهَبُونَ} (154)

{ وَلَمَّا سَكَتَ عَن موسَى الغضب } شروعٌ في بيان بقيةِ الحكايةِ إثرَ ما بيّن تحزب القوم إلى مصر وتائب والإشارةِ إلى مآل كلَ منهما إجمالاً أي لما سكن عنه الغضبُ باعتذار أخيه وتوبةِ القوم ، وهذا صريحٌ في أن ما حُكي عنهم من الندم وما يتفرّع عليه كان بعد مجيءِ موسى عليه الصلاة والسلام ، وفي هذا النظم الكريمِ من البلاغة والمبالغةِ بتنزيل الغضبِ الحاملِ له على ما صدر عنه من الفعل والقول منزلةَ الآمرِ بذلك المُغري عليه بالتحكم والتشديد ، والتعبيرِ عن سكوته بالسكوت ما لا يخفى ، وقرىء سَكَن وسكَت وأسكتَ على أن الفاعل هو الله تعالى أو أخوه أو التائبون { أَخَذَ الألواح } التي ألقاها { وَفِى نُسْخَتِهَا } أي فيما نُسخ فيها وكُتب ، فُعلة بمعنى مفعول كالخُطبة وقيل : فيما نسخ منها أي من الألواح المنكسرة { هُدًى } أي بيانٌ للحق { وَرَحْمَةً } للخلق بإرشادهم إلى ما فيه الخيرُ والصلاح { للَّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ } اللامُ الأولى متعلقةٌ بمحذوف هو صفةٌ لرحمة أي كائنةٌ لهم أو هي لامُ الأجَل أي هدى ورحمةٌ لأجلِهم ، والثانيةُ لتقوية عمل الفعلِ المؤخّر كما في قوله تعالى : { إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [ يوسف ، الآية 43 ] أو هي أيضاً لامُ العلة والمفعولُ محذوفٌ أي يرهبون المعاصيَ لأجل ربهم لا للرياء والسمعة .