الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلۡغَضَبُ أَخَذَ ٱلۡأَلۡوَاحَۖ وَفِي نُسۡخَتِهَا هُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ هُمۡ لِرَبِّهِمۡ يَرۡهَبُونَ} (154)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أعطى الله موسى التوراة ف سبعة ألواح من زبرجد فيها تبيان لكل شيء وموعظة التوراة مكتوبة ، فلما جاء بها فرأى بني إسرائيل عكوفاً على العجل ، فرمى التوراة من يده فتحطمت ، وأقبل على هرون فأخذ برأسه ، فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع { ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون } قال : فيما بقي منها .

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن مجاهد . أن سعيد بن جبير قال : كانت الألواح من زمرد ، فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل وبقي الهدى والرحمة ، وقرأ { وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء } [ الأعراف : 145 ] وقرأ { ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة } قال : ولم يذكر التفصيل ههنا .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا } قال : اختارهم ليقوموا مع هرون على قومه بأمر الله { فلما أخذتهم الرجفة } تناولتهم الصاعقة حين أخذت قومهم .

وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي سعد عن مجاهد { واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة } بعد أن خرج موسى بالسبعين من قومه يدعون الله ويسألونه أن يكشف عنهم البلاء فلم يستجب لهم ، علم موسى أنهم قد أصابوا من المعصية ما أصاب قومهم . قال أبو سعد : فحدثني محمد بن كعب القرضي قال : فلم يستجب لهم من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر ولم يأمروهم بالمعروف ، فأخذتهم الرجفة فماتوا ثم أحياها الله .

وأخرج عبد بن حميد عن الفضل بن عيسى ابن أخي الرقاشي . إن بني إسرائيل قالوا : ذات يوم لموسى : ألست ابن عمنا ومنا وتزعم أنك كلمت رب العزة ، فانا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، فلما أن أبوا إلا ذلك أوحى الله إلى موسى : أن اختر من قومك سبعين رجلاً . فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً خيرة ، ثم قال لهم : اخرجوا . فلما برزوا جاءهم ما لا قبل لهم به فأخذتهم الرجفة ، قالوا : يا موسى ردنا . فقال لهم موسى : ليس لي من الأمر شيء سألتم شيئاً فجاءكم فماتوا جميعاً ، قيل : يا موسى ارجع . قال : رب إلى أين الرجعة ؟ { قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } [ الأعراف : 155 ] إلى قوله { فسأكتبها للذين يتقون . . . } [ الأعراف : 155 ] الآية . قال عكرمة : كتبت الرحمة يومئذ لهذه الأمة .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي رضي الله عنه قال : لما حضر أجل هرون أوحى الله إلى موسى : أن انطلق أنت وهرون وابن هرون إلى غار في الجبل فأنا قابض روحه ، فانطلق موسى وهرون وابن هرون ، فما انتهوا إلى الغار دخلوا فإذا سري ، فاضطجع عليه موسى ثم قام عنه فقال : ما أحسن هذا المكان يا هرون ، فاضطجع هرون فقبض روحه ، فرجع موسى وابن هرون إلى بني إسرائيل حزينين .

فقالوا له : أين هرون ؟ قال : مات . قالوا : بل قتلته ، كنت تعلم أنا نحبه . فقال لهم موسى : ويلكم أقتل أخي وقد سألته الله وزيراً ، ولو أني أردت قتله أكان ابنه يدعني ! ؟ قالوا له : بلى قتلته حسدتناه . قال : فاختاروا سبعين رجلاً فانطلق بهم ، فمرض رجلان في الطريق فخط عليهما خطاً ، فانطلق موسى وابن هرون وبنو إسرائيل حتى انتهوا إلى هرون ، فقال : يا هرون من قتلك ؟ قال : لم يقتلني أحد ولكني مت قالوا : ما تقضي يا موسى ادع لنا ربك يجعلنا أنبياء . قال : فأخذتهم الرجفة فصعقوا وصعق الرجلان اللذان خلفوا ، وقام موسى يدعو ربه { لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } فأحياهم الله فرجعوا إلى قومهم أنبياء .