الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلۡغَضَبُ أَخَذَ ٱلۡأَلۡوَاحَۖ وَفِي نُسۡخَتِهَا هُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ هُمۡ لِرَبِّهِمۡ يَرۡهَبُونَ} (154)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قوله: {ولما سكت عن موسى الغضب}، يعني: سكن، {أخذ الألواح} بعدما ألقاها، {وفي نسختها}... {هدى} من الضلالة، {ورحمة} من العذاب، {للذين هم لربهم يرهبون}، يعني يخافون الله...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"وَلمّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ": ولما كفّ موسى عن الغضب، وكذلك كلّ كافَ عن شيء ساكت عنه. وإنما قيل للساكت عن الكلام ساكت: لكفه عنه...

"أخَذَا الأَلْوَاحَ" يقول: أخذها بعد ما ألقاها... "وفِي نُسْخَتِها هُدًى وَرَحْمَةٌ "يقول: وفيما نسخ فيها: أي منها "هدى": بيان للحقّ "ورحمة للّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ" يقول: للذين يخافون الله، ويخشون عقابه على معاصيه...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {هدى ورحمة} أي هدى من كل ضلالة وبيان من كل عمى وشبهه {ورحمة} من كل سخطة وغضب...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

معنى قوله "ولما سكت ": سكن، وسمي ذلك سكوتا وإن كان الغضب لا يتكلم، لأنه لما كان بفورته دالا على ما في النفس من المغضوب عليه، كان بمنزلة الناطق بذلك، فإذا سكنت تلك الفورة كان بمنزلة الساكت عما كان متكلما به، والسكوت في هذا الموضع أحسن من السكون، لتضمنه معنى سكوته عن المعاتبة لأخيه، مع سكون غضبه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

تشير إلى حسن إمهاله -سبحانه- للعبد إذا تغيَّر عن حدِّ التمييز، وغَلَبَ عليه ما لا يطيق ردَّه من بواده الغيب. وإذا كانت حالة الأنبياء -عليهم السلام- أنه يغلبهم ما يعطلهم عن الاختيار فكيف الظن بِمنْ دونهم..

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب} هذا مثل، كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له: قل لقومك كذا وألقي الألواح، وجرّ برأس أخيك إليك، فترك النطق بذلك وقطع الإغراء، ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم وذوق صحيح إلاّ لذلك، ولأنه من قبيل شعب البلاغة، وإلاّ فما لقراءة معاوية بن قرة: «ولما سكن عن موسى الغضب»، لا تجد النفس عندها شيئاً من تلك الهزة، وطرفاً من تلك الروعة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... المسألة الثالثة: قوله: {أخذ الألواح} المراد منه الألواح المذكورة في قوله تعالى: {وألقى الألواح} وظاهر هذا يدل على أن شيئا منها لم ينكسر ولم يبطل. وأن الذي قيل من أن ستة أسباع التوراة رفعت إلى السماء ليس الأمر كذلك وقوله: {وفي نسختها} النسخ: عبارة عن النقل والتحويل فإذا كتبت كتابا عن كتاب حرفا بعد حرف، قلت: نسخت ذلك الكتاب، كأنك نقلت ما في الأصل إلى الكتاب الثاني...إن قلنا إن الألواح لم تتكسر وأخذها موسى بأعيانها بعد ما ألقاها، ولا شك أنها كانت مكتوبة من اللوح المحفوظ، فهي أيضا تكون نسخا على هذا التقدير.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

السكوت في أصل اللغة: ترك الكلام، فهو هنا مجاز تشبيه أو تمثيل مبني على تصوير الغضب بشخص ذي قوة ورياسة يأمر وينهى فيطاع...

والمعنى أنه لما سكن غضب موسى باعتذار أخيه ولجأ إلى رحمة الله وفضله يدعو ربه بأن يغفر لهما عاد إلى الألواح التي ألقاها فأخذها، وفي نسختها –أي ما نسخ وكتب منها فهي من النسخ كالخطبة من الخطاب- هدى وإرشاد من الخالق سبحانه للذين يرهبون ربهم ويخشون عقابه بالفعل أو بالاستعداد –أو يرهبون ما يغضب ربهم من الشرك والمعاصي.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يقرر السياق مرة أخرى أن في هذه الألواح هدى، وأن فيها رحمة، لمن يخشون ربهم ويرهبونه؛ فتتفتح قلوبهم للهدى، وينالون به الرحمة.. والهدى ذاته رحمة. فليس أشقى من القلب الضال، الذي لا يجد النور. وليس أشقى من الروح الشارد الحائر الذي لا يجد الهدى ولا يجد اليقين.. ورهبة الله وخشيته هي التي تفتح القلوب للهدى؛ وتوقظها من الغفلة، وتهيئها للاستجابة والاستقامة.. إن الله خالق هذه القلوب هو الذي يقرر هذه الحقيقة. ومن أعلم بالقلوب من رب القلوب؟

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

كان الغضب أمرا عارضا لموسى بسبب أن قومه انتهكوا حمى التوحيد، وأشركوا بالله، ولم يغب عنهم إلا أربعين ليلة، فاستطالوها وعجلوا به مخالفين أمر ربهم، وبعد أن هدأ الغضب؛ إذ أقام أمر الله ونهيه، وقد كان سريع الفيئة كما روينا أي سريع الرضا، وكذلك شأن النبيين لا يلج بهم الغضب؛ حتى لا يشغلوا عن الدعوة إلى الحق الذي بعثهم الله تعالى لإقامته.

وقوله تعالى: {ولما سكت عن موسى الغضب} يدل على أنه عارض زال فعاد الواجب قويا قائما، بعد زواله {ولما سكت عن موسى الغضب} يدل على أنه عارض زال فعاد الواجب قويا قائما، بعد زواله {أخذ الألواح وفي نسختها}، أي في المكتوب فيها، وهو الأصل الثابت الذي كتب بأمر الله تعالى، و كأنه – سبحانه وتعالى – هو الذي كتبه {هدى ورحمة}، أي في نسختها الأصلية.

{هدى ورحمة}، أي هداية إلى الحق في وسط دياجير الباطل والظلمات ورحمة بشريعتها التي اشتملت عليها، فالشريعة في التوراة بأخذها على أيدي الظالمين وإقامة العدل، يكون ذلك رحمة، فالعدل في ذاته رحمة، كما جاء في القرآن الكريم: {ولكم في القصاص يا أولي الألباب} (البقرة 179).

وإن هذه الهداية وتلك الرحمة إنما ينتفع بها الذين يرهبون الله تعالى ويخافونه، والذين يخافون الظلم ويجتنبونه، والذين في قلوبهم رأفة بالناس، ويخافون أن يؤذوهم ويجتنبون الأذى، ويخافون عذاب الله، ولذا قال تعالى: {للذين هم لربهم يرهبون}.

أي إن الهدى والرحمة للذين هم يخافون الله تعالى ويرهبون عذابه، فإنه مع رهبة رب العالمين يكون الاتعاظ والازدجار، والانتفاع بالهداية، وتلقى الرحمة، واستحقاقها. وقوله تعالى: {للذين هم لربهم يرهبون} فيه تأكيد لرهبتهم لله بعدة مؤكدات: أولها ضمير الفصل {هم} وثانيها: تقديم {لربهم}، أنهم لا يرهبون إلا ربهم، ولا يخافون غيره، وثالثها: في قوله {لربهم} فاللام هنا تفيد زيادة الرهبة، إذ إن {يرهبون} تتعدى بنفسها دون اللام، فذكر اللام لتقوية التعدي أي لتقوية الرهبة، وهكذا لا ينتفع بما اشتملت عليه من الهداية إلى الطريق، والرحمة بالانتفاع بنظمها إلا هؤلاء؛ لأن هذه الرحمة لا ينتفع بها إلا الذين يخافون الله تعالى ويرجون ثوابه ويخافون عذابه فيكونون منه دائما على حذر، فينجون.