{ وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب } شروع في بيان بقية الحكاية أثر ما بين تحزب القوم إلى مصر وتائب ، والإشارة ما لكل منهما إجمالاً ، أي ولما سكت عنه الغضب باعتذار أخيه وتوبة القوم ، وهذا صريح في أن ما حكى عنهم من الندم وما بتفرع عليه كان بعد مجىء موسى عليه السلام ، وقيل : المراد ولما كسرت سورة غضبه عليه السلام وقل غيظه باعتذار أخيه فقط لا أنه زال غضبه بالكلية لأن توبة القوم ما كانت خالصة بعد ، وأصل السكوت قطع الكلام ، وفي الكلام استعارة مكنية حيث شبه الغضب بشخص ناه آمر وأثبت له السكوت على طريق التخييل ، وقال السكاكي : إن فيه استعارة تبعية حيث شبه سكون الغضب وذهاب حدته بسكون الآمر الناهي والغضب قرينتها ، وقيل : الغضب استعارة بالكناية عن الشخص الناطق والسكوت استعارة تصريحية لسكون هيجانه وغليانه فيكون في الكلام مكنية قرينتها تصريحية لا تخييلية ، وإيا ما كان ففي الكلام مبالغة وبلاغة لا يخفى علو شأنهما ، وقال الزجاج : مصدر سكت الغضب السكتة ومصدر سكت الرجل السكوت وهو يقتضي أن يكون سكت الغضب فعلاً على حدة ؛ وقيل ونسب إلى عكرمة : إن هذا من القلب وتقديره ولما سكت موسى عن الغضب ، ولا يخفى أن السكوت كان أجمل بهذا القائل إذ لا وجه لما ذكره .
وقرأ معاوية بن قرة { سَكَنَ } والمعنى على ذلك ظاهر إلا أنه على قراءة الجمهور أعلى كعباً عند كل ذي طبع سليم وذوق صحيح ، وقرىء { سَكَتَ } بالبناء لما لم يسم فاعله والتشديد للتعدية و { أسكت } بالبناء لذلك أيضاً على أن المسكت هو الله تعالى أو أخوه أو التائبون { الغضب أَخَذَ الالواح } التي ألقاها { وَفِى نُسْخَتِهَا } أي فيما نسخ فيها وكتب ، ففعلة بمعنى مفعول كالخطبة ، والنسخ الكتابة ، والإضافة بيانية أو بمعنى في ، وإلى هذا ذهب الجبائي وأبو مسلم وغيرهما ، وقيل : معنى منسوخة ما نسخ فيها من اللوح المحفوظ ، وقيل : النسخ هنا بمعنى النقل ، والمعنى فيما نقل من الألواح المنكسرة . وروي عن ابن عباس . وعمرو بن دينار أن موسى عليه السلام لما ألقى الألواح فتكسر منها ما تكسر صام أربعين يوماً فرد عليه ما ذهب في لوحين وفيهما ما في الأول بعينه فكأنه نسخ من الأول { هُدًى } أي بيان للحق عظيم { وَرَحْمَةً } جليلة بالإرشاد إلى ما فيه الخير والصلاح { لّلَّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ } أي يخافون أشد الخوف ، واللام الأولى متعلقة بمحذوف وقع صفة لما قبله أو هي لام الرجل أي هدى ورحمة لأجلهم ، والثانية لتقوية عمل الفعل المؤخر كما في قوله سبحانه : { إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [ يوسف : 43 ] أو هي لام العلة والمفعول محذوف أي يرهبون المعاصي لأجل ربهم لا للرياء والسمعة ، واحتمال تعلقها بمحذوف أي يخشون لربهم كما ذهب إليه أبو البقاء بعيد .
( هذا ومن باب الإشارة ) :ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح الربانية ، وفي نسختها هدى إرشاد إلى الحق { وَرَحْمَةٌ لّلَّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ } [ الأعراف : 154 ] يخافون لحسن استعدادهم ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.