فأما قوله : { وأنت حل بهذا البلد } فالمراد منه أمور ( أحدها ) : وأنت مقيم بهذا البلد نازل فيه حال به ، كأنه تعالى عظم مكة من جهة أنه عليه الصلاة والسلام مقيم بها ( وثانيها ) : الحل بمعنى الحلال ، أي أن الكفار يحترمون هذا البلد ولا ينتهكون فيه المحرمات ، ثم إنهم مع ذلك ومع إكرام الله تعالى إياك بالنبوة يستحلون إيذاءك ولو تمكنوا منك لقتلوك ، فأنت حل لهم في اعتقادهم لا يرون لك من الحرمة ما يرونه لغيرك ، عن شرحبيل : يحرمون أن يقتلوا بها صيدا أو يعضوا بها شجرة ويستحلون إخراجك وقتلك ، وفيه تثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة ، وتعجيب له من حالهم في عدوانهم له ( وثالثها ) : قال قتادة : { وأنت حل } أي لست بآثم ، وحلال لك أن تقتل بمكة من شئت ، وذلك أن الله تعالى فتح عليه مكة وأحلها له ، وما فتحت على أحد قبله ، فأحل ما شاء وحرم ما شاء وفعل ما شاء ، فقتل عبد الله بن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ، ومقيس بن صبابة وغيرهما ، وحرم دار أبي سفيان ، ثم قال : «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي ، ولن تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، فلا يعضد شجرها ، ولا يختلي خلالها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد » فقال العباس : إلا الإذخر يا رسول الله فإنه لبيوتنا وقبورنا ، فقال «إلا الإذخر » .
فإن قيل : هذه السورة مكية ، وقوله : { وأنت حل } إخبار عن الحال ، والواقعة التي ذكرتم إنما حدثت في آخر مدة هجرته إلى المدينة ، فكيف الجمع بين الأمرين ؟ قلنا : قد يكون اللفظ للحال والمعنى مستقبلا ، كقوله تعالى : { إنك ميت } وكما إذا قلت لمن تعده الإكرام والحباء : أنت مكرم محبو ، وهذا من الله أحسن ، لأن المستقبل عنده كالحاضر بسبب أنه لا يمنعه عن وعده مانع ( ورابعها ) : { وأنت حل بهذا البلد } أي وأنت غير مرتكب في هذا البلد ما يحرم عليك ارتكابه تعظيما منك لهذا البيت ، لا كالمشركين الذين يرتكبون فيه الكفر بالله ، وتكذيب الرسل ( وخامسها ) : أنه تعالى لما أقسم بهذا البلد دل ذلك على غاية فضل هذا البلد ، ثم قال : { وأنت حل بهذا البلد } أي وأنت من حل هذه البلدة المعظمة المكرمة ، وأهل هذا البلد يعرفون أصلك ونسبك وطهارتك وبراءتك طول عمرك من الأفعال القبيحة ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم } وقال : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } وقوله : { فقد لبثت فيكم عمرا من قبله } فيكون الغرض شرح منصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكونه من هذا البلد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.