{ إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ } أي سنوحي إليك وإيثار الإلقاء عليه لقوله تعالى : { قَوْلاً ثَقِيلاً } وهو القرآن العظيم فإنه لما فيه من التكاليف الشاقة ثقيل على المكلفين سيما على الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام مأمور بتحملها وتحميلها للأمة وهذه الجملة المؤكدة معترضة بين الأمر بالقيام وتعليله الآتي لتسهيل ما كلفه عليه الصلاة والسلام من القيام كأنه قيل أنه سيرد عليك في الوحي المنزل تكاليف شاقة هذا بالنسبة إليها سهل فلا تبال بهذه المشقة وتمرن بها لما بعدها وادخل بعضهم في الاعتراض جملة { ورتل } الخ وتعقب بأنه لا وجه له وقيل معنى كونه ثقيلاً أنه رصين لأحكام مبانيه ومتانة معانيه والمراد أنه راجح على ما عداه لفظاً ومعنى لكن تجوز بالثقيل عن الراجح لأن الراجح من شأنه أن يكون كذلك وفي معناه ما قيل المراد كلام له وزن ورجحان ليس بالسفساف وقيل معناه أنه ثقيل على المتأمل فيه لافتقاره إلى مزيد تصفية للسر وتجريد للنظر فالثقيل مجاز عن الشاق وقيل ثقيل في الميزان والثقل إما حقيقة أو مجاز عن كثرة ثواب قارئه وقال أبو العلية والقرطبي ثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعيده وقيل ثقيل تلقيه يعني يثقل عليه صلى الله عليه وسلم والوحي به بواسطة الملك فإنه كان يوحي إليه عليه الصلاة والسلام على أنحاء منها أن لا يتمثل له الملك ويخاطبه بل يعرض له عليه الصلاة والسلام كالغشي لشدة انجذاب روحه الشريفة للملأ إلا الأعلى بحيث يسمع ما يوحى به إليه ويشاهده ويحسه هو عليه الصلاة والسلام دون من معه وفي هذه الحالة كان يحس في بدنه ثقلاً حتى كادت فخذه صلى الله عليه وسلم أن ترض فخذ زيد بن ثابت وقد كانت عليها وهو يوحى إليه وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحى إليه وهو على ناقته وضعت جرانها فما تستطيع أن تتحرك حتى يسري عنه وتلت أنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً وروى الشيخان ومالك والترمذي والنسائي عنها أنها قالت ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وأن جبينه ليتفصد عرقاً وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون ثقيلاً صفة لمصدر حذف فأقيم مقامه وانتصب انتصابه أي إلقاء ثقيلاً وليس صفة قولاً وقيل ذلك كناية عن بقائه على وجه الدهر لأن الثقيل من شأنه أن يبقى في مكانه وقيل ثقلة باعتبار ثقل حروفه حقيقة في اللوح المحفوظ فعن بعضهم أن كل حرف من القرآن في اللوح أعظم من جبل قاف وإن الملائكة لو اجتمعت على الحرف أن يقلوه ما أطاقوه حتى يأتي إسرافيل عليه السلام وهو ملك اللوح فيرفعه ويقله بإذن الله تعالى لا بقوته ولكن الله عز وجل طوقه ذلك وهذا مما يحتاج إلى نقل صحيح عن الصادق عليه الصلاة والسلام ولا أظن وجوده . والجملة قيل على معظم هذه الأوجه مستأنفة للتعليل فإن التهجد يعد النفس لأن تعالج ثقله فتأمل . واستدل بالآية على أنه لا ينبغي أن يقال سورة خفيفة لما أن الله تعالى سمى فيه القرآن كله قولاً ثقيلاً وهذا من باب الاحتياط كما لا يخفي .
قوله : { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } المراد بالقول هنا القرآن . وفي تأويل ثقله وجهان : الوجه الأول : أنه ثقيل وقت نزوله وذلك بسبب عظمته . فقد ذكر عن زيد بن ثابت ( رضي الله عنه ) أنه قال : " أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخدي فكادت ترضّ فخدي " .
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ! هل تحس بالوحي ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض " .
وقالت عائشة ( رضي اله عنها ) : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وجبينه ليتفصّد عرقا .
وروى الإمام أحمد عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها . أي بصدرها . وفي رواية عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرّى عنه . وجرانها يعني صدرها ، إذ تضعه على الأرض من فرط الثقل .
الوجه الثاني : أن المراد بثقل القرآن ، العمل به . أي العمل بما يقتضيه من الأحكام والحدود والشرائع والفرائض . فهو في ذلك كله ثقيل لا يحتمله إلا المؤمنون المتقون الذين لا يرتضون عن دين الله وشرعه ومنهاجه أي بديل . يحتمله المؤمنون الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وآمنوا بقضاء الله وقدره خيرهما وشرهما .
أما غير هؤلاء من المشركين والمرتابين والخائرين والمنافقين فإنه يثقل عليهم العمل بما في القرآن من أحكام وفروض وحدود .
ويضاف إلى ذلك كله ثقل الدعوة إلى دين الله ، ومنبعه القرآن . لا جرم أن الدعوة إلى التزام أحكام الإسلام وما حواه القرآن من المبادئ والأخلاق وقواعد الشريعة وأحكامها لهو أمر ثقيل ، لما يواجه ذلك في الغالب من الصدود والجحود والعدوان من أكثر الناس . إن الدعوة إلى دين الإسلام وما تضمنه القرآن من منهج للحياة ليس بالأمر السهل اليسير ، بل إنه ثقيل عسير لا يطيقه إلا الصابرون الراسخون في الإيمان من المسلمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.