روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

ونسبة إرسالهم إليه تعالى في قوله سبحانه : { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين } بناء على أنه كان بأمره تعالى لتكميل التمثيل وتتميم التسلية ، وقال ابن عباس . وكعب . هم رسل الله تعالى : واختاره بعض الأجلة وادعى أن الله تعالى أرسلهم ردءاً لعيسى عليه السلام مقررين لشريعته كهرون لموسى عليهما السلام ، وأيد بظاهر { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين } وقول المرسل إليهم { مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا } [ يس : 5 1 ] إذ البشرية تنافى على زعمهم الرسالة من الله تعالى لا من غيره سحبانه ، واستدل البعض على ذلك بظهور المعجزة كإبراء الأكمه وإحياء الميت على أيديهم كما جاء في بعض الآثار والمعجزة مختصة بالنبي على ما قرر في الكلام ، ومن ذهب إلى الأول أجاب عن الأول بما سمعت وعن الثاني بأنهم إما أن يكونوا دعوهم على وجه فهموا منه أنهم مبلغون عن الله تعالى دون واسطة أو أنهم جعلوا الرسل بمنزلة مرسلهم فخاطبوهم بما يبطل رسالته ونزلوه منزلة الحاضر تغليباً فقالوا ما قالوه ، وعن الثالث بأن ما ظهر على أيديهم إن صح الأثر كان كرامة لهم في معنى المعجزة لعيسى عليه السلام ولا يتعين كونه معجزة لعم إلا إذا كانوا قد ادعوا الرسالة من الله تعالى بدون واسطة وهو أول المسألة ، و { إِذْ } بدل من إذ الأولى ، والإثنان قيل يوحنا وبولس ، وقال مقاتل تومان وبولس ، وقال شعيب الجبائي شمعون ويوحنا ، وقال وهب . وكعب : صادق وصدوق ، وقيل نازوص وماروس .

وقيل : { أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ } دون أرسلنا إليها ليطابق إذ جاءها لأن الإرسال حقيقة إنما يكون إليهم لا إليها بخلاف المجيء وأيضاً التعقيب بقوله تعالى : { فَكَذَّبُوهُمَا } عليه أظهر وهو هنا نظير التعقيب في قوله تعالى : { فَقُلْنَا اضرب بّعَصَاكَ الحجر فانفجرت } [ البقرة : 60 ] وسميت الفاء الفضيحة لأنها تفصح عن فعل محذوف وكان أصحاب القرية إذ ذاك عباد أصنام { فَعَزَّزْنَا } أي قويناهما وشددنا قاله مجاهد وابن قتيبة ، وقال يقال تعزز لحم الناقة إذ صلب ، وقال غيره : يقال عزز المطر الأرض إذا لبدها وشدها ويقال للأرض الصلبة العزاز ومنه العز بمعناه المعروف ، ومفعول الفعل محذوف أي فعززناهما { بِثَالِثٍ } لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به .

وهو على ما روى عن ابن عباس شمعون الصفا ويقال سمعنان أيضاً ، وقال وهب وكعب : شلوم وعند شعيب الجبائي بولص بالصاد وبعضهم يحكيه بالسين . وقرأ الحسن . وأبو حيوة . وأبو بكر . والمفضل . وأبان { فَعَزَّزْنَا } بالتخفيف وهو التشديد لغتان كشدة وشدده فالمعنى واحد ، وقال أبو علي المخفف من عزه إذا غلبه ومنه قولهم من عزيز أي من غلب سلب ، والمعنى عليه فغلبناهم بحجة ثالث . وقرأ عبد الله { *بالثالث } { بالبينات فَقَالُواْ } عطف على { فَكَذَّبُوهُمَا } فعززنا والفاء للتعقيب أي فقال الثلاثة بعد تكذيب الإثنين والتعزيز بثالث { إِنَّا إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } ولا يضر في نسبة القول إلى الثلاثة سكوت البعض إذ يكفي الاتفاق بل قالوا طريقة التكلم مع الغير كون المتكلم واحداً والغير متفقاً معه .

/خ13

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ} (14)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"إذْ أرْسَلْنا إلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذّبُوهُما فَعَزّزْنا بِثالِثٍ" يقول تعالى ذكره: حين أرسلنا إليهم اثنين يدعوانهم إلى الله فكذّبوهما فشددناهما بثالث، وقوّيناهما به... قال ابن زيد، في قوله: "فَعَزّزْنا بِثالِثٍ "قال: جعلناهم ثلاثة، قال: ذلك التعزّز، قال: والتعزّز: القوّة.

وقوله: "فَقالُوا إنّا إلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ" يقول: فقال المرسلون الثلاثة لأصحاب القرية: إنا إليكم أيها القومُ مرسلون، بأن تُخْلِصوا العبادة لله وحده، لا شريك له، وتتبرّؤوا مما تعبدون من الآلهة والأصنام.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان أعظم مقاصد السياق تسلية النبي صلى الله عليه وسلم في توقفهم عن المبادرة إلى الإيمان به، مع دعائه بالكتاب الحكيم إلى الصراط المستقيم، وكان في المشاركة في المصائب أعظم تسلية، أبدل من قوله {إذ جاءها} تفصيلاً لذلك المجيء قوله، مسنداً إلى نفسه المقدس لكونه أعظم في التسلية: {إذ أرسلنا} أي على ما لنا من العظمة.

ولما كان المقصود بالرسالة أصحابها قال: {إليهم اثنين} أي ليعضد أحدهما الآخر فيكون أشد لأمرهما فأخبراهم بإرسالهما إليهم كأن قالا: نحن رسولان إليكم لتؤمنوا بالله {فكذبوهما} أي مع ما لهما من الآيات، لأنه من المعلوم أنا ما أرسلنا رسولاً إلا كان معه من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، سواء كان عنا من غير واسطة أو كان بواسطة رسولنا، كما كان للطفيل بن عمرو الدوسي ذي النور، لما ذهب إلى قومه وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون آية فكانت نوراً في جبهته، ثم سأل أن تكون في غير وجهه فكانت في سوطه.

ولما كان التضافر على الشيء أقوى لشأنه، وأعون على ما يراد منه، سبب عن ذلك قوله حاذفاً المفعول لفهمه من السياق، ولأن المقصود إظهار الاقتدار على إيقاع الفعل وتصريفه في كل ما أريد له: {فعززنا} أي فأوقعنا العزة، وهي القوة والشدة والغلبة، لأمرنا أو لرسولنا بسبب ما وقع لهما من الوهن بالتكذيب فحصل ما أردنا من العزة -بما أشارت إليه قراءة أبي بكر عن عاصم بالتخفيف.

{بثالث} أرسلناه بما أرسلناهما به {فقالوا} أي الثلاثة بعد أن أتوهم وظهر لهم إصرارهم على التكذيب، مؤكدين بحسب ما رأوا من تكذيبهم: {إنا إليكم} أي لا إلى غيركم {مرسلون}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وتأكيد قولهم: {إنا إليكم مرسلون} لأجل تكذيبهم إياهم فأكدوا الخبر تأكيداً وسطاً، ويسمى هذا ضرباً طلبياً.

وتقديم المجرور للاهتمام بأمر المرسل إليهم المقصود إيمانهم بعيسى.