روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ وَزِينَةٞ وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرٞ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٞۚ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (20)

{ اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأموال والأولاد } بعدما بين حال الفريقين في الآخرة شرح حال الحياة التي اطمأن بها الفريق الثاني ، وأشير إلى أنها من محقرات الأمور التي لا يركن إليها العقلاء فضلاً عن الاطمئنان بها بأنها لعب لا ثمرة فيها سوى التعب { وَلَهْوٌ } تشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه { وَزِينَةٌ } لا يحصل منها شرف ذاتي كالملابس الحسنة والمراكب البهية والمنازل الرفيعة { وَتَفَاخُرٌ } بالأنساب والعظام البالية { وَتَكَاثُرٌ } بالعدد والعدد ، وقرأ السلمي { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } بالإضافة ، ثم أشير إلى أنها مع ذلك سريعة الزوال وشيكة الاضمحلال بقوله سبحانه : { كَمَثَلِ غَيْثٍ } مطر { أَعْجَبَ الكفار } أي راقهم { نباتُهُ } أي النبات الحاصل به ، والمراد بالكفار إما الحراث على ما روي عن ابن مسعود لأنهم يكفرون أي يسترون البذر في الأرض ووجه تخصيصهم بالذكر ظاهر ، وأما الكافرون بالله سبحانه ووجه تخصيصهم أنهم أشد إعجاباً بزينة الدنيا فإن المؤمن إذا رأى معجباً انتقل فكره إلى قدرة موجده عز وجل فأعجب بها ، ولذا قال أبو نواس في النرجس

: عيون من لجين شاخصات *** على أطرافها ذهب سبيك على قضب الزبرجد شاهدات

( بأن الله ليس له شريك ) *** والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق إعجاباً { أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ } يتحرك إلى أقصى ما يتأتى له ، وقيل : أي يجف بعد خضرته ونضارته { فترياه } يا من تصح منه الرؤية { فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً } بعد ما رأيته ناضراً مونقاً ، وقرئ مصفاراً وإنما لم يقل فيصفر قيل : إيذاناً بأن اصفراره غير مقارن لهيجانه وإنما المترتب عليه رؤيته كذلك ، وقيل : للإشارة إلى ظهور ذلك لكل أحد { ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } هشيماً متكسراً من اليبس ، ومحل الكاف قيل : النصب على الحالية من الضمير في { لَعِبٌ } لأنه في معنى الوصف ، وقيل : الرفع على أنه خبر بعد خبر للحياة الدنيا بتقدير المضاف إليه أي مثل الحياة كمثل الخ ، ولتضمن ذلك تشبيه جميع ما فيها من السنين الكثيرة بمدة نبات غيث واحد يفنى ويضمحل في أقل من سنة جاءت الإشارة إلى سرعة زوالها وقرب اضمحلالها ، وبعد ما بين حقارة أمر الدنيا تزهيداً فيها وتنفيراً عن العكوف عليها أشير إلى فخامة شأن الآخرة وعظم ما فيها من اللذات والآلام ترغيباً في تحصيل نعيمها المقيم وتحذيراً من عذابها الأليم ، وقدم سبحانه ذكر العذاب فقال جل وعلا :

{ وَفي الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ } لأنه من نتائج الانهماك فيما فصل من أحوال الحياة الدنيا { وَمَغْفِرَةٌ } عظيمة { مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ } عظيم لا يقادر قدره ، وفي مقابلة العذاب الشديد بشيئين إشارة إلى غلبة الرحمة وأنه من باب «لن يغلب عسر يسرين » .

وفي ترك وصف العذاب بكونه من الله تعالى مع وصف ما بعده بذلك إشارة إلى غلبتها أيضاً ورمز إلى أن الخير هو المقصود بالقصد الأولى { وَما الحياة الدنيا إِلاَّ متاع الغرور } لمن اطمأن بها ولم يجعلها ذريعة للآخرة ومطية لنعيمها ، روي عن سعيد بن جبير الدنيا متاع الغرور إن ألهتك عن طلب الآخرة ، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله تعالى وطلب الآخرة فنعم المتاع ونعم الوسيلة .

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ وَزِينَةٞ وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرٞ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٞۚ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (20)

{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ( 20 ) }

اعلموا -أيها الناس- أنما الحياة الدنيا لعب ولهو ، تلعب بها الأبدان وتلهو بها القلوب ، وزينة تتزينون بها ، وتفاخر بينكم بمتاعها ، وتكاثر بالعدد في الأموال والأولاد ، مثلها كمثل مطر أعجب الزُّرَّاع نباته ، ثم يهيج هذا النبات فييبس ، فتراه مصفرًا بعد خضرته ، ثم يكون فُتاتًا يابسًا متهشمًا ، وفي الآخرة عذاب شديد للكفار ومغفرة من الله ورضوان لأهل الإيمان . وما الحياة الدنيا لمن عمل لها ناسيًا آخرته إلا متاع الغرور .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ وَزِينَةٞ وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرٞ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٞۚ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (20)

قوله تعالى : { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الأخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور 20 سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } .

يبين الله للناس حقيقة الحياة الدنيا على أنها حطام زائل داثر وأنها سراب خادع ما يلبث أن ينقشع ويتبدد . وكذا الدنيا ما تلبث أن تفنى وتزول حتى لا يبقى منها عين ولا أثر . فما ينبغي للناس- وهم يعلمون هذه الحقيقة - أن تخدعهم الدنيا وأن يغرهم الشيطان غرورا . وذلك هو قوله سبحانه : { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد } ذلك تزهيد في الحياة الدنيا ، إذ شبهها في سرعة زوالها وهوان شأنها وحقارة متاعها ، بلعب الصبيان في الملاعب ، إذ يتبعون أنفسهم ، فيركضون ويكدون لا هثين لا يجنون غير العبث والنصب وضياع الوقت . وهي كذلك لهو ، فإنها تلهي الناس عن ذكرى الآخرة وتثنيهم عن فعل الفرائض والواجبات من خشوع لله وأمر بمعروف ونهي عن منكر وجهاد في سبيل الله وإصلاح بين الناس .

وهي كذلك زينة . وهي ما يتزين به الغافلون اللاهون ، من فاخر الملابس والمراكب والبيوت والأثاث والرياش وغير ذلك من وجوه الزينة { وتفاخر بينكم } يفاخر الناس بعضهم بعضا بما أوتوه من مال وكراع وزينة أو جاه وغير ذلك من ضروب التفاخر والتباهي بلعاعات الدنيا ومباهجها الواهية الزائلة { وتكاثر في الأموال والأولاد } أي يتباهون بكثرة المال والولد ولا يغنيهم ذلك من الله شيئا ولا يستنقذهم من عذابه إذا أحاط بهم . وإنما يجديهم الإيمان والإخلاص لله في الطاعة والعبادة .

قوله : { كمثل غيث أعجب الكفار نباته } الكاف في قوله : { كمثل } في موضع رفع من وجهين . أحدهما : أن يكون وصفا لقوله : { وتفاخر بينكم } وثانيهما : أن يكون في موضع رفع ، لأنه خبر بعد خبر وهي { الحياة } في قوله : { أنما الحياة الدنيا } {[4463]} .

والمراد بالكفار ههنا الزراع الذين يغطون البذر بالتراب عقب حراثته . قوله : { ثم يهيج } أي يجف بعد خضرته وييبس { فتراه مصفرا } أي يأخذ في الاصفرار والذبول بعد الاخضرار والنّضرة { ثم يكون حطاما } أي هشيما متكسرا متفتتا . وهكذا الحياة الدنيا في متاعها وغرورها وسرعة زوالها كالزرع ، إذ يكون مخضرا نضرا فيعجب الزراع والناظرين ثم ما يلبث أن ييبس ويتكسر ويصير هشيما فيدوسه الناس والدواب ثم يتبدد ويزول ليصبح أثرا بعد عين .

قوله : { وفي الأخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان } يبعث الناس من قبورهم يوم القيامة ثم يصيرون إلى الوقوف بين يدي الله فإما العذاب الشديد وهي النار ، يصلونها ويذوقون فيها الوبال والنكال وإما أن يغفر الله لهم ثم يدخلهم الجنة رحمة منه بهم وفضلا .

قوله : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } يعني ليست الحياة الدنيا بزينتها ولذاتها إلا المتاع الخادع الذي يغتر به الخاسرون الغافلون فيذهلون عن منهج الله ثم ينقلبون إلى الهوان والخسران .


[4463]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 423.