بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ وَزِينَةٞ وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرٞ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٞۚ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (20)

ثم قال عز وجل : { اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } يعني : باطلاً ، ولهواً . يعني : فرحاً يلهون فيها { وَزِينَةٌ } يعني : زينة الدنيا { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } عن الحسب { وَتَكَاثُرٌ في الأموال والأولاد } تفتخرون بذلك . وروى إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ، إنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَامَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا » .

ثم ضرب للدنيا مثلاً آخر فقال : { كَمَثَلِ غَيْثٍ } يعني : كمثل مطر نزل من السماء فينبت به الزرع ، والنبات ، { أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ } يعني : فرح الزارع بنباته ، ويقال : { أَعْجَبَ الكفار } يعني : الكفار بالله ، لأنهم أشد إعْجاباً بزينة الدنيا من المؤمنين . ويقال : { الكفار } كناية عن الزراع ، لأن الكَفْر في اللغة هو التغطية ، ولهذا سمي الكافر كافراً لأنه يغطي الحق بالباطل . فسمي الزراع كفاراً لأنهم يغطون الحب تحت الأرض ، وليس ذلك الكفر الذي هو ضد الإيمان ، والطريقة الأولى أحسن إن أراد به الكفار ، لأن ميلهم إلى الدنيا أشد { ثُمَّ يَهِيجُ } يعني : ييبس فيتغير { فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً } بعد خضرته { ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } يعني : يابساً . ويقال : { حطاما } يعني : هالكاً ، فشبّه الدنيا بذلك ، لأنه لا يبقى ما فيها ، كما لا يبقى هذا النبت { في الآخرة عَذَابُ شَدِيدٍ } لمن افتخر بالدنيا ، واختارها { وَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله ورضوان } لمن ترك الدنيا ، واختار الآخرة على الدنيا . ويقال : عذاب شديد لأعدائه ، ومغفرة من الله لأوليائه .

ثم قال : { وَما الحياة الدنيا إِلاَّ متاع الغرور } يعني : كمتاع الغرور ، يعني : كالمتاع الذي يتخذ من الزجاج ، والخزف ، يسرع إلى الفناء ولا يبقى إلا العمل الصالح .