اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ وَزِينَةٞ وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرٞ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٞۚ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (20)

ولما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين ذكر بعده ما يدلّ على حقارة الدنيا ، وكمال حال الآخرة ، فقال :

{ اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } .

«ما » صلة ، أي : حياة هذه الدار لعبٌ باطل لا حاصل له ، وهو فرح ثم ينقضي ، وزينة ومنظر تتزيَّنُون به .

قوله : { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } .

العامة على تنوين «تَفَاخُر » موصوف بالظرف ، أو عامل فيه .

والسلمي{[55398]} أضافه إليه ، أي : يفخر به بعضكم على بعض .

قال المفسرون{[55399]} : «اللّعب » : الباطل ، «واللَّهْو » : الفرح .

وقال قتادة : «لعب ولهو » : أكل وشرب{[55400]} .

وقال مجاهد : كل لعب لهو{[55401]} .

وقيل : «اللعب » : ما رغب في الدنيا ، «واللّهو » : ما ألْهى على الآخرة .

قوله : { وَتَكَاثُرٌ فِي الأموال والأولاد }{[55402]} .

قال ابن عبَّاس : يجمع المال في سخطِ الله ، ويباهي به على أولياء الله ، ويصرفه في مساخط الله ، فهي ظلمات بعضها فوق بعض ، وكان من عادة الجاهلية أن يتكاثروا بالأموال والأولاد{[55403]} .

قال بعض المتأخرين : «لعب » كلعب الصبيان ، «ولهو » كلهو الفتيان «وزينة » كزينة النِّسْوان «وتفاخُر » كتفاخُر الأقران «وتَكاثُر » كتكاثُر الدُّهقان .

وقال علي - رضي الله عنه ل «عمار » : لا تحزن على الدُّنيا ، فإن الدنيا ستة أشياء : مأكول ، ومشروب ، وملبوس ، ومشموم ، ومركوب ، ومنكُوح ، فأحسن طعامها العسل ، وهو بزقةُ ذبابة ، وأكثر شرابها الماء ، ويستوي فيه جميع الحيوان ، وأفضل ملبوسها الدِّيباج وهو نسج دودة ، وأفضل المشموم المِسْك وهو دم فأرة ، وأفضل مركوبها الفرس ، وعليها يقتل الرِّجال ، وأما المنكوح فهو النساء وهو مبال في مَبال ، والله إن المرأة لتزين أحسنها يراد به أقبحها{[55404]} .

ثم ذكر تعالى لهذه الحياة مثلاً ، فقال : «كمثل غيثٍ » أي : مطر { أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ } .

قال ابن مسعود : المراد ب «الكُفَّار » هنا : الزُّرَّاع{[55405]} .

وقال الأزهري{[55406]} : والعرب تقول للزَّارع : كافر ؛ لأنه يكفرُ البَذْر [ المبذور في الأرض ] {[55407]} بتراب الأرض ، أي : يغطّيه .

والمعنى{[55408]} : أن الحياة الدُّنيا كالزَّرع يعجب النَّاظرين إليه لخضرته بكثرة الأمطار ، ثم لا يلبث أن يصير هشيماً كأن لم يكن .

وقيل : المراد بالكُفَّار هنا هم الكُفَّار بالله ، وهم أشد إعجاباً بزينة الدنيا من المؤمنين .

وقوله : «نَبَاتُهُ » أي : ما ينبت من ذلك الغَيْث .

قوله : { كَمَثَلِ غَيْثٍ } .

يجوز أن يكون في موضع نصب حالاً من الضمير في «لعب » ؛ لأنه بمعنى الوصف ، وأن يكون خبراً لمبتدأ محذوف ، أي : ذلك كمثل{[55409]} .

وجوز ابن عطية{[55410]} : أن يكون في موضع رفع صفة لما تقدم ، ولم يبينه ، وقد بينه مكي ، فقال{[55411]} : نعت ل «تفاخر » . وفيه نظر لتخصيصه له من بين ما تقدم ، وجوز أن يكون خبراً بعد خبر للحياة الدنيا .

وقوله : { ثُمَّ يَهِيجُ } أي : يجفّ بعد خضرته { فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً } أي : متغيراً عما كان عليه من النَّضارة{[55412]} .

وقرئ{[55413]} : «مُصْفَارًّا » من «اصْفَارّ » وهو أبلغ من «اصْفَرّ » .

قوله : «وفي الآخِرةِ » خبر مقدم ، وما بعده مبتدأ مؤخر ، أخبر بأن في الآخرة عذاباً شديداً ، ومغفرة منه ورضواناً ، وهذا معنى حسن ، وهو أنه قابل العذاب بشيئين : بالمغفرة والرضوان ، فهو من باب لن يغلب عُسْرٌ يُسرينِ{[55414]} .

قال القرطبي{[55415]} : { وَفِي الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ } ، أي : للكافر ، والوقف عليه حسن ، ويبتدأ { وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرِضْوَانٌ } أي : للمؤمنين .

وقال الفراء{[55416]} : { وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة } تقديره : إمَّا عذاب شديد ، وإمَّا مغفرة ، فلا يوقف على «شديد » .

قوله : { وَمَا الحياة الدنيا إِلاَّ مَتَاعُ الغرور } .

وهذا تأكيد لما سبق ، أي : تغرّ الكافر ، فأما المؤمن فإن الدنيا له متاع بلاغ إلى الجنة .

وقيل : العمل للحياة الدنيا متاع الغرور تزهيداً في العمل للدنيا ، وترغيباً للعمل في الآخرة .

وقال سعيد بن جبير : الدُّنيا متاع الغرور إذا ألْهتك عن طلب الآخرة ، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة ، فنعم المتاع ونعم الوسيلة{[55417]} .


[55398]:ينظر: البحر المحيط 8/223، والدر المصون 6/279.
[55399]:ينٍ: القرطبي 17/165.
[55400]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/165) عن قتادة.
[55401]:ينظرٍ: المصدر السابق.
[55402]:ذكره الرازي في "تفسيره" (29/203 - 204).
[55403]:?????
[55404]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/165).
[55405]:ذكره الرازي في "تفسيره" (29/204).
[55406]:الرازي 29/204.
[55407]:في أ: بتراب يستره.
[55408]:ينظر: القرطبي 17/165.
[55409]:ينظر: الدر المصون 6/279.
[55410]:المحرر الوجيز 5/266.
[55411]:ينظر: المشكل 2/219.
[55412]:ينظر: القرطبي 17/166.
[55413]:ينظر: الكشاف 4/479، والبحر المحيط 58/223، والدر المصون 6/279.
[55414]:الدر المصون 6/279.
[55415]:الجامع لأحكام القرآن 17/166.
[55416]:ينظر: معاني القرآن للفراء 3/135.
[55417]:ينظر: المصدر السابق وذكره البغوي في "تفسيره" (4/298).