روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

{ فاصبر لِحُكْمِ رَبّكَ } بتأخير نصرك على الكفار فإن له عاقبة حميدة { وَلاَ تُطِعِ } قلة صبر منك على اذاهم وضجراً من تأخر نصرك { مِنْهُمْ ءاثِماً أَوْ كَفُوراً } قيل إن أو لأحد الشيئين في جميع مواقعها ويعرض لها معان أخر كالشك والإباحة وغيرهما فيكون أصل المعنى هنا ولا تطع منهم أحد النوعين ولما كان أحد الأغلب عليه في غير الإثبات العموم واحتمال غيره احتمال مرجوح صار المعنى على النهي عن إطاعة هذا وهذا ولم يؤت بالواو لاحتمال الكلام عليه النهي عن المجموع ويحصل امتثاله بالانتهاء عن واحد دون الآخر فلا يرد أن لا تطلع أحد النوعين يحصل الامتثال به بترك إطاعة واحد مع إطاعة الآخر إذ يقال لمن فعل ذلك إنه لم يطع أحدهما ومن هنا قيل إن أو في الإثبات تفيد أحد الأمرين وفي النفي تفيد نفي كلا الأمرين جميعاً ولعل ما ذكر في معنى كلام ابن الحاجب حيث قال إن وضع أو لإثبات الحكم لأحد الأمرين إلا أنه إن حصلت قرينة يفهم معها أن أحد الأمرين غير حاجر عن الآخر مثل قولك جالس الحسن أو ابن سيرين سمي إباحة وان حجر فهو لأحد الأمرين واستشكل بعضهم وقوعها في النهي كلا تطع منهم آثما أو كفوراً إذ لو انتهى عن أحدهما لم يمتثل ومن ثم حملها بعضهم يعني أبا عبيدة على أنها بمعنى الواو والأولى أن تبقى على بابها وإنما جاء التعميم فيها من وراء ذلك وهو النهي الذي فيه معني النفي لأن المعنى قبل وجود النهي تطيع آثماً أو كفوراً أي واحداً منهما فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتاً في المعنى فيصير المعنى ولا تطع واحداً منهما فيجىء التعميم فيهما من جهة النهي وهي على بابها فيما ذكر لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما بخلاف الإثبات فإنه قد يفعل أحدهما دون الآخر انتهى وعليه ما قيل إن إفادة العموم في النفي والنهي الذي في معناه لما أن تقيض الإيجاب الجزئي السلب الكلي وقريب من ذلك قول الزجاج أن أو ههنا أوكد من الواو لأنك إذا قلت لا تطع زيداً وعمراً فأطاع أحدهما كان غير عاص فإذا أبدلتها بأو فقد دللت على أن كل واحد منهما أهل لأن يعصى ويعلم منه النهي عن إطاعتهما معاً كما لا يخفي وأفاد جار الله إن أو باقية على حقيقتها وإن النهي عن إطاعتهما جميعاً إنما جاء من دلالة النص وهي المسمى مفهوم الموافقة بقسميه الأولى والمساوي فتأمل والمراد بالآثم والكفور جنسهما وتعليق النهي بذلك مشعر بعلية الوصفين له فلا بد أن يكون النهي عن الإطاعة في الاثم والكفر لا فيما ليس بإثم ولا كفر والمراد ولا تطع مرتكب الاثم الداعي لك إليه أو مرتكب الكفر الداعي إليه أي لا تتبع أحداً من الآثم إذا دعاك إلى الاثم ومن الكفور إذا دعاك إلى الكفر فإنه إذا قيل لا تطع الظالم فهم منه لا تتبعه في الظلم إذا دعاك إليه ومنع هذا الفهم مكابرة فلا يتم الاستدلال بالآية على عدم جواز الاقتداء بالفاسق إذا صلى إماماً ثم إن التقسيم باعتبار ما يدعوان إليه من الكفر والإثم المقابل له لا باعتبار الذوات حتى يكون بعضهم آثماً وبعضهم كفوراً فيقال كيف ذلك وكلهم كفرة والمبالغة في كفور قيل لموافقة الواقع وهذا كقوله تعالى { ولا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة } [ آل عمران : 130 ] واعتبار رجوعها إلى النهي كاعتبار رجوعها إلى النفي على ما قيل في قوله تعالى { وما ربك بظلام للعبيد } [ فصلت : 46 ] كما ترى وقيل الآثم المنافق والكفور المشرك المجاهر وقيل الآثم عتبة بن ربيعة والكفور الوليد بن المغيرة لأن عتبة كان ركاباً للمآثم متعاطياً لأنواع الفسوق وكان الوليد غالياً في الكفر شديد الشكيمة في العتو وعن مقاتل أنهما قالا له صلى الله عليه وسلم ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بالمال والتزويج فنزلت وقيل الكفور أبو جهل الآية نزلت فيه والأولى ما تقدم وفي النهي مع العصمة إرشاد لغير المعصوم إلى التضرع إلى الله تعالى والرغبة إليه سبحانه في الحفظ عن الوقوع فيما لا ينبغي .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

ولهذا قال : { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } أي : اصبر لحكمه القدري ، فلا تسخطه ، ولحكمه الديني ، فامض عليه ، ولا يعوقك عنه عائق . { وَلَا تُطِعْ } من المعاندين ، الذين يريدون أن يصدوك { آثِمًا } أي : فاعلا إثما ومعصية ولا { كَفُورًا } فإن طاعة الكفار والفجار والفساق ، لا بد أن تكون في المعاصي ، فلا يأمرون{[1314]}  إلا بما تهواه أنفسهم .


[1314]:- في ب: لا بد أن تكون معصية لله لأنهم لا يأمرون.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

قوله : { فاصبر لحكم ربك } اصبر على ما ابتليت به من تبليغ الرسالة وأداء الأمانة للعالمين ولا تبتئس مما يصيبك من أذى المشركين وافترائهم عليك وصدهم عن دينك { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } الآثم ، الفاجر المتلبّس بالإثم والخطيئة . والكفور ، الجاحد المكذب . نزلت هذه الآية في العدو الأثيم الكفور أبي جهل ، إذ قال : إن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه فأنزل الله الآية على رسوله محرضا له على الصبر واحتمال المكاره في سبيل الله وأن يمضي لما أمره الله به من وجيبة التبليغ .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"فاصْبِرْ لِحُكُمِ رَبّكَ" يقول: اصبر لما امتحنك به ر بك من فرائضه، وتبليغ رسالاته، والقيام بما ألزمك القيام به في تنزيله الذي أوحاه إليك.

"وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِما أو كَفُورا" يقول: ولا تطع في معصية الله من مشركي قومك آثما يريد بركوبه معاصيه، أو كفورا: يعني جحودا لنعمه عنده، وآلائه قِبلَه، فهو يكفر به، ويعبد غيره.

وقيل: إن الذي عني بهذا القول أبو جهل. عن قتادة أنه بلغه أن أبا جهل قال: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأنّ عنقه، فأنزل الله: "وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِما أوْ كَفُورا".

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فاصبر لحكم ربك} ففيه أنه ابتلاه بما تكرهه نفسه، ويشتد عليها، حتى دعاه إلى الصبر، لأن المرء لا يدعى إلى الصبر على النعم واللذات، وإنما يدعى إليه إذا ابتلي بالمكاره والبليّات، وقد صبر عليه السلام على المكاره لأنه أمر بمضادّة الجن والإنس، فانتصب لهم حتى آذوه كل الأذى، وهموا بقتله.

{ولا تطع منهم آثما أو كفورا} كأنه قال: ولا تطع من دعاك إلى ما دعاك إلى ما تأثم فيه، أو تكون كفورا، أو لا تجب الآثم أو الكفور إلى ما يدعوان إليه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فاصبر لِحُكْمِ رَبّكَ} الصادر عن الحكمة وتعليقه الأمور بالمصالح، وتأخيره نصرتك على أعدائك من أهل مكة؛ ولا تطع منهم أحداً قلة صبر منك على أذاهم وضجراً من تأخر الظفر، وكانوا مع إفراطهم في العداوة والإيذاء له ولمن معه يدعونه إلى أن يرجع عن أمره ويبذلون له أموالهم وتزويج أكرم بناتهم إن أجابهم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله تعالى: {آثماً أو كفوراً} هو تخيير في أن يعرف الذي ينبغي أن لا يطيعه بأي وصف كان من هذين، لأن كل واحد منهم فهو آثم وهو كفور، ولم تكن الأمة حينئذ من الكثرة بحيث يقع الإثم على العاصي.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{فاصبر لحكم ربك} في تأخير الإذن في القتال، ونظيره {فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين} أو يكون المعنى عاما في جميع التكاليف، أي فاصبر في كل ما حكم به ربك سواء كان ذلك تكليفا خاصا بك من العبادات والطاعات أو متعلقا بالغير وهو التبليغ وأداء الرسالة، وتحمل المشاق الناشئة من ذلك..

السؤال الثاني: أنه عليه السلام ما كان يطيع أحدا منهم، فما الفائدة في هذا النهي؟ (الجواب): المقصود بيان أن الناس محتاجون إلى مواصلة التنبيه والإرشاد، لأجل ما تركب فيهم من الشهوات الداعية إلى الفساد، وأن أحدا لو استغنى عن توفيق الله وإمداده وإرشاده، لكان أحق الناس به هو الرسول المعصوم، ومتى ظهر ذلك عرف كل مسلم، لأنه لا بد له من الرغبة إلى الله والتضرع إليه في أن يصونه عن الشبهات والشهوات.

...

...

...

...

...

...

...

....

....

السؤال الرابع: كانوا كلهم كفرة، فما معنى القسمة في قوله: {آثما أو كفورا}؟ (الجواب): {الكفور} أخبث أنواع الآثم، فخصه بالذكر تنبيها على غاية خبثه ونهاية بعده عن الله.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

...انتظر حكم الله إذ وعدك أنه ينصرك عليهم، ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما تقرر أن من الناس من ترك الهدى الذي هو البيان، فعمي عنه لإعراضه عنه، سبب عن هذا الإنزال وذاك الضلال قوله منبهاً على أمراض القلوب، ومرشداً إلى دوائها: {فاصبر لحكم ربك} أي المحسن إليك بتخصيصه لك بهذه النعمة على ضلال من حكم بضلاله، وعلى كل ما ينوبك وأطعه في التعبد له بجميع ما أمرك به من الرفق إلى أن يأمرك بالسيف، واستعن على مر الصبر باستحضار أن المربي الشفيق يربي بما يشاء من المر والحلو على حسب علمه وحكمته، والصبر: حبس النفس وضبطها على مقاومة الهوى لئلا تنقاد إلى شيء من قبائح اللذات.

ولما أمره سبحانه بالصبر، وكان الأمر به مفهماً وجوده للمخالف، وكان المخالفون له صلى الله عليه وسلم هم القسم المضاد للشاكر وهم الكفرة، وكان ما يدعونه إليه تارة مطلق إثم، وأخرى كفراً وتارة غير ذلك، ذكر النتيجة ناهياً عن القسمين الأولين ليعلم أن المسكوت عنه لا نهي فيه فقال: {ولا تطع منهم} أي الكفرة الذين هم ضد الشاكرين {آثماً} أي داعياً إلى إثم سواء كان مجرداً عن مطلق الكفر أو مصاحباً له {أو كفوراً} أي مبالغاً في الكفر وداعياً إليه وإن كان كبيراً وعظيماً في الدنيا فإن الحق أكبر من كل كبير، وذلك أنهم كانوا مع شدة الأذى له صلى الله عليه وسلم يبذلون له الرغائب من الأموال، والتمليك والتزويج لأعظم نسائهم على أن يتبعهم على دينهم ويكف عما هو عليه والنهي عن الأحد المبهم فهي عن كل منهما، فإن كلاًّ منهما في أنه يجب اجتنابه في رتبة واحدة

{وذروا ظاهر الإثم وباطنه} [الأنعام: 120] وكذا الانتهاء عنه لا يتحقق إلا بالانتهاء عن كل منهما، ولو عطف بالواو لم يفد ذلك لأن نفي الاثنين لا يستلزم نفي كل منهما، وأفهم ترتيب النهي على الوصفين أنه إذا دعاه الكفار إلى ما لا يتعلق به إثم ولا كفر جاز له قبوله.