روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله } أي إلى توحيده تعالى وطاعته والظاهر العموم في كل داع إلى تعالى ، وإلى ذلك ذهب الحسن . ومقاتل . وجماعة ، وقيل : بالخصوص فقال ابن عباس : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنه أيضاً هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقالت عائشة . وقيس بن أبي حازم . وعكرمة . ومجاهد : نزلت في المؤذنين ، وينبغي أن يتأول قولهم على أنهم داخلون في الآية وإلا فالسورة بكمالها مكية بلا خلاف ولم يكن الأذان بمكة إنما شرع بالمدينة ، والتزام القول بتأخر حكمها عن نزولها كما ترى ، والظاهر أن المراد الدعاء باللسان ، قيل : به وباليد كأن يدعو إلى الإسلام ويجاهد ، وقال زيد بن علي : دعا إلى الله بالسيف ، ولعل هذا والله تعالى أعلم هو الذي حمله على الخروج بالسيف على بعض الظلمة من ملوك بني أمية ، وكان زيد هذا رضي الله تعالى عنه عالماً بكتاب الله تعالى وله تفسير ألقاه على بعض النقلة عنه وهو في حبس هشام بن عبد الملك وفيه من العلم والاستشهاد بكلام العرب حظ وافر .

ويقال : إنه كان إذا تناظر هو وأخوه محمد الباقر اجتمع الناس بالمحابر يكتبون ما يصدر عنهما من العلم رحمهما الله تعالى ورضي عنهما ، والاستفهام في معنى النفي أي لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى الله { وَعَمِلَ صالحا } أي عملاً صالحاً أي عمل صالح كان .

وقال أبو أمامة : صلى بين الأذان والإقامة ، ولا يخفى ما فيه ، وقال عكرمة : صلى وصام ، وقال الكلبي : أدى العرائض والحق العموم { وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ المسلمين } أي تلفظ بذلك ابتهاجاً بأنه منهم وتفاخراً به مع قصد الثواب إذ هو لا ينافيه أو جعل واتخذ الإسلام ديناً له من قولهم : هذا قول فلان أي مذهبه ومعتقده ، وبعضهم يرجع الوجهين إلى وجه واحد ، والمعنى على القول بكون الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم اختار النسبة إلى الإسلام دون عز الدنيا وشرفها وهو قولهم رد { لا تسمعوا لهذا القرآن } [ فصلت : 26 ] وتعجيب منه ، وقرأ ابن أبي عبلة . وإبراهيم بن نوح عن قتيبة المبال { وَقَالَ إِنّي } بنون مشددة دون نون الوقاية .

واستدل أبو بكر بن العربي بالآية على عدم اشتراط الاستثناء في قول القائل : أنا مسلم أو أنا مؤمن . وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغي للداعي إلى الله تعالى أن يكون عاملاً عملاً صالحاً ليكون الناس إلى قبول دعائه أقرب وإليه أسكن .

ومن كلمات القوم في الآيات : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله } بترك ما سواه { وَعَمِلَ صالحا } لئلا يخالف حاله قاله { وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ المسلمين }

[ فصلت : 33 ] المنقادين لحكمه تعالى الراضين بقضائه وقدره ، وفيه إشارة إلى صفات الشيخ المرشد وما ينبغي أن يكون عليه ويحق أن يقال في كثير من المتصدين للإرشاد في هذا الزمان المتلاطمة أمواجه بالفساد :

خلت الرقاع من الرخاخ *** وتفرزنت فيها البيادق

وتصاهلت عرج الحمير *** وذاك من عدم السوابق

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

{ 33 } { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }

هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي : لا أحد أحسن قولا . أي : كلامًا وطريقة ، وحالة { مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ } بتعليم الجاهلين ، ووعظ الغافلين والمعرضين ، ومجادلة المبطلين ، بالأمر بعبادة الله ، بجميع أنواعها ، والحث عليها ، وتحسينها مهما أمكن ، والزجر عما نهى الله عنه ، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه ، خصوصًا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه ، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن ، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .

ومن الدعوة إلى الله ، تحبيبه إلى عباده ، بذكر تفاصيل نعمه ، وسعة جوده ، وكمال رحمته ، وذكر أوصاف كماله ، ونعوت جلاله .

ومن الدعوة إلى الله ، الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله ، والحث على ذلك ، بكل طريق موصل إليه ، ومن ذلك ، الحث على مكارم الأخلاق ، والإحسان إلى عموم الخلق ، ومقابلة المسيء بالإحسان ، والأمر بصلة الأرحام ، وبر الوالدين .

ومن ذلك ، الوعظ لعموم الناس ، في أوقات المواسم ، والعوارض ، والمصائب ، بما يناسب ذلك الحال ، إلى غير ذلك ، مما لا تنحصر أفراده ، مما تشمله الدعوة إلى الخير كله ، والترهيب من جميع الشر .

ثم قال تعالى : { وَعَمِلَ صَالِحًا } أي : مع دعوته الخلق إلى الله ، بادر هو بنفسه ، إلى امتثال أمر الله ، بالعمل الصالح ، الذي يُرْضِي ربه . { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } أي : المنقادين لأمره ، السالكين في طريقه ، وهذه المرتبة ، تمامها للصديقين ، الذين عملوا على تكميل أنفسهم وتكميل غيرهم ، وحصلت لهم الوراثة التامة من الرسل ، كما أن من أشر الناس ، قولاً ، من كان من دعاة الضالين{[775]} السالكين لسبله .

وبين هاتين المرتبتين المتباينتين ، اللتين ارتفعت إحداهما إلى أعلى عليين ، ونزلت الأخرى ، إلى أسفل سافلين ، مراتب ، لا يعلمها إلا الله ، وكلها معمورة بالخلق { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }


[775]:- كذا في النسختين ولعل الصواب (من دعاة الضلال).
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

قوله تعالى : { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله } إلى طاعته ، { وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين } قال ابن سيرين : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله . وقال الحسن : هو المؤمن الذي أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه ، وعمل صالحاً في إجابته ، وقال : إنني من المسلمين . وقالت عائشة : أرى هذه الآية نزلت في المؤذنين . وقال عكرمة : هو المؤذن أبو أمامة الباهلي ، وعمل صالحاً صلى ركعتين بين الأذان والإقامة . وقال قيس بن أبي حازم : هو الصلاة بين الأذان والإقامة .

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي ، حدثنا أبو يحيى ابن أبي ميسرة ، حدثنا عبد الله بن زيد المقصري ، حدثنا كهمس بن الحسن ، عن عبد الله ابن بريدة بن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بين كل أذانين صلاة ، ثلاث مرات ثم قال في الثالثة : لمن شاء " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال سفيان : لا أعلمه إلا وقد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة " .