اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى الله . . . } الآية قال ابن سيرين والسُّدِّيُّ : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله وقال الحسن : هو المؤمن الذي أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه ، وعمل صالحاً في إجابته وقال إنَّني من المسلمين . وقالت عائشة رضي الله عنها إن هذه الآية نزلت في المؤذِّنين . وقال عكرمة : هو المؤذن . وقال أبو أمامة الباهليّ : وعمل صالحاً : ركعتين بين الأذان والإقامة . وقال قيس بن أبي حازمٍ : هو الصلاة بين الأذان والإقامة{[48835]} .

قوله : { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المسلمين } العامة على إنني بنونين . وابن أبي عبلة وابن نوحٍ{[48836]} بنون واحدة . قوله تعالى : «ولا السيئَةُ » في «لا » هذه وجهان :

أحدهما : أنها زائدة للتوكيد ، كقوله : { وَلاَ الظل وَلاَ الحرور } [ فاطر : 21 ] وكقوله : { وَلاَ المسيء } [ غافر : 58 ] ، لأن استوى لا يكتفي بواحد .

والثاني : أنها مؤسسة غير مؤكِّدة{[48837]} ؛ إذ المراد بالحسنة والسيئة الجنس ، أي لا تستوي الحسنات في أنفسها إنها متفاوتة ، ولا تستوي السيئات أيضاً ، فربَّ واحدةٍ أعظم من أخرى ، وهو مأخوذ من كلام الزمخشري{[48838]} ، وقال أبو حيان : «إن أخذت الحسنة والسيئة جنساً لم يكن زيادتها كزيادتها في الوجه الذي قبل هذا »{[48839]} . قال شهاب الدين : «فقد جعلها في المعنى الثاني زائدة ، وفيه نظر لما تقدم »{[48840]} .

فصل

قال المفسرون : المراد بالحسنة الصَّبر ، وبالسيئة الغضب . وقيل : الحلم والجهل .

وقيل : العفو والإساءة{[48841]} . قال ابن الخطيب : لما حكى الله تعالى عنهم قولهم : «قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ » وإصرارهم الشديد على دينهم ، وعد التأثّر بدلائل محمد صلى الله عليه وسلم ثم أطنب في الجواب عن شبهاتهم ثم رغّب محمداً صلى الله عليه وسلم في أن لا يترك الدعوة إلى الله بقوله :

{ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا } [ فصلت : 30 ] فلهم الثواب العظيم ،


[48835]:هذه الأقوال ذكرها القرطبي في الجامع 15/360 والبغوي في معالم التنزيل 6/111.
[48836]:هو إبراهيم بن أحمد بن نوح الأصبهاني الفقيه روى القراءة عن أبي خالد النزندولاني عن قتيبة وروى عنه ابن شنبوذ. انظر غاية النهاية 1/9، وهذه القراءة شاذة انظر البحر 7/497.
[48837]:انظر البحر المحيط 7/498 والكشاف 3/454 وقد قال بالوجهين أيضا الأخفش في معانيه 2/684 وقال بوجه الزيادة فقط الزجاج في معانيه أيضا 4/386.
[48838]:بالمعنى من الكشاف 3/454 و455.
[48839]:البحر المحيط 7/498.
[48840]:الدر المصون 4/734.
[48841]:البغوي 6/112.