{ ومن أحسن قولاً } ووجه آخر في النظم وهو أنه لما مدح الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا وذكر جزاءهم وهم أهل الكمال ، أراد أن يبين حال المشتغلين بتكميل الناقصين . زعم بعض المفسرين أن المراد بهذا الدعاء الأذان ، والعمل الصالح الصلاة بين الأذان والإقامة ، ورفعوه إلى عائشة . والأصح أنه عام لجميع الأئمة والدعاة إلى طاعة الله وتوحيده ، ولا ريب أن مصطفاهم ومقتداهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وبعده العلماء بالله وهم الحكماء المتألهون ، وبعدهم العلماء بصفات الله وهم الأصوليون ، ثم العلماء بأحكام الله وهم الفقهاء ، ثم الملوك العادلون الذين يدعون إلى الله بالسيف والسبب . وفي الاستفهام الإنكاري دلالة على أنه لا قول أحسن من الدعاء إلى الله فمن زعم أنه الأذان ذهب إلى أنه واجب وإلا لكان الواجب أحسن منه .
ونوقض بأنا نعلم بالدلائل اليقينية أن الدعوة إلى الدين القويم بالحجة أو السيف أحسن من الأذان فلا يدخل الأذان تحت الآية . قال جار الله : ليس معنى قوله { وقال إنني من المسلمين } أنه تكلم بهذا الكلام ، ولكن المراد أنه جعل دين الإسلام مذهبه ومعتقده كما تقول : هذا قول أبي حنيفة . وقال آخرون : أراد به التلفظ به تفاخرا بالإسلام وتمدحا . وزعموا أن فيه إبطال قول من جوز : أنا مسلم إن شاء الله . فإنه لو كان ذلك معتبرا لورد في الآية كذلك ولا يخفى ضعفه ، فإن التجويز غير الإيجاب . ثم صبر رسوله صلى الله عليه وسلم على سفاهة الكفار وعلمه الأدب الجميل في باب الدعاء أي الدين بل في مطلق أمور التمدن فقال { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } " لا " زائدة لتأكيد نفي الاستواء ، والمعنى لا تستوي الحسنة والسيئة قط ومثالها الإيمان والشرك والحلم والغضب والطاعة والمعصية واللطف والعنف ثم إن سائلا كأنه سأل : فكيف نصنع ؟ فأجيب { ادفع بالتي هي أحسن } فإن الحسنة أحسن من السيئة كما يقال : الصيف أحر من الشتاء وذهب صاحب الكشاف إلى أن " لا " غير مزيدة والمعنى أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما فخذ بالحسنة التي هي أحسن إذا اعترضتك حسنتان فادفع بها السيئة . مثاله : رجل أساء إليك فالحسنة أن تعفو عنه والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إسائته . قال :ومن جعل " لا " مزيدة فالقياس على تفسيره أن يقال : ادفع بالتي هي حسنة . ولكنه وضع أحسن موضع الحسنة ليكون أبلغ لأن من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما هو دونها . قال العارفون : الحسنة التوجه إلى الله بصدق الطلب ؟ ، والسيئة الالتفاف إلى غيره . { فإذا الذي } إذا فعلت ذلك انقلب عدوك وليا مصافيا . قال مقاتل : نزلت في أبي سفيان وكان مؤذيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فصار يتحاب بعد ذلك لما رأى من لطف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطفه . ثم مدح هذه السيرة وأهلها بقوله { وما يلقاها إلا الذين صبروا } أي لا يعمل بها إلا كل صبار على تجرع المكاره . { وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } من قوة جوهر النفس الناطقة بحيث لا يتأثر من الواردات الخارجية ، وقد يفسر الحظ العظيم بالثواب الجزيل . وعن الحسن : ما عظم حظ دون الجنة . ثم ذكر طريقا آخر في دفع الغضب والانتقام قائلا { وإما ينزغنك } وقد مر في آخر الأعراف . والمعنى إن صرفك الشيطان عما أمرت به فاستعذ بالله من شره وإنما قال هاهنا { إنه هو السميع العليم } بالفصل وتعريف الخبر ليكون مناسبا لما تقدمه من قوله { وما يلقاها } مؤكدا بالتكرار وبالنفي والإثبات ولم يكن هذا المقتضى في الأعراف فجاء على أصل الاسم معرفة والخبر نكرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.