غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

25

{ ومن أحسن قولاً } ووجه آخر في النظم وهو أنه لما مدح الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا وذكر جزاءهم وهم أهل الكمال ، أراد أن يبين حال المشتغلين بتكميل الناقصين . زعم بعض المفسرين أن المراد بهذا الدعاء الأذان ، والعمل الصالح الصلاة بين الأذان والإقامة ، ورفعوه إلى عائشة . والأصح أنه عام لجميع الأئمة والدعاة إلى طاعة الله وتوحيده ، ولا ريب أن مصطفاهم ومقتداهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وبعده العلماء بالله وهم الحكماء المتألهون ، وبعدهم العلماء بصفات الله وهم الأصوليون ، ثم العلماء بأحكام الله وهم الفقهاء ، ثم الملوك العادلون الذين يدعون إلى الله بالسيف والسبب . وفي الاستفهام الإنكاري دلالة على أنه لا قول أحسن من الدعاء إلى الله فمن زعم أنه الأذان ذهب إلى أنه واجب وإلا لكان الواجب أحسن منه .

ونوقض بأنا نعلم بالدلائل اليقينية أن الدعوة إلى الدين القويم بالحجة أو السيف أحسن من الأذان فلا يدخل الأذان تحت الآية . قال جار الله : ليس معنى قوله { وقال إنني من المسلمين } أنه تكلم بهذا الكلام ، ولكن المراد أنه جعل دين الإسلام مذهبه ومعتقده كما تقول : هذا قول أبي حنيفة . وقال آخرون : أراد به التلفظ به تفاخرا بالإسلام وتمدحا . وزعموا أن فيه إبطال قول من جوز : أنا مسلم إن شاء الله . فإنه لو كان ذلك معتبرا لورد في الآية كذلك ولا يخفى ضعفه ، فإن التجويز غير الإيجاب . ثم صبر رسوله صلى الله عليه وسلم على سفاهة الكفار وعلمه الأدب الجميل في باب الدعاء أي الدين بل في مطلق أمور التمدن فقال { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } " لا " زائدة لتأكيد نفي الاستواء ، والمعنى لا تستوي الحسنة والسيئة قط ومثالها الإيمان والشرك والحلم والغضب والطاعة والمعصية واللطف والعنف ثم إن سائلا كأنه سأل : فكيف نصنع ؟ فأجيب { ادفع بالتي هي أحسن } فإن الحسنة أحسن من السيئة كما يقال : الصيف أحر من الشتاء وذهب صاحب الكشاف إلى أن " لا " غير مزيدة والمعنى أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما فخذ بالحسنة التي هي أحسن إذا اعترضتك حسنتان فادفع بها السيئة . مثاله : رجل أساء إليك فالحسنة أن تعفو عنه والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إسائته . قال :ومن جعل " لا " مزيدة فالقياس على تفسيره أن يقال : ادفع بالتي هي حسنة . ولكنه وضع أحسن موضع الحسنة ليكون أبلغ لأن من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما هو دونها . قال العارفون : الحسنة التوجه إلى الله بصدق الطلب ؟ ، والسيئة الالتفاف إلى غيره . { فإذا الذي } إذا فعلت ذلك انقلب عدوك وليا مصافيا . قال مقاتل : نزلت في أبي سفيان وكان مؤذيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فصار يتحاب بعد ذلك لما رأى من لطف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطفه . ثم مدح هذه السيرة وأهلها بقوله { وما يلقاها إلا الذين صبروا } أي لا يعمل بها إلا كل صبار على تجرع المكاره . { وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } من قوة جوهر النفس الناطقة بحيث لا يتأثر من الواردات الخارجية ، وقد يفسر الحظ العظيم بالثواب الجزيل . وعن الحسن : ما عظم حظ دون الجنة . ثم ذكر طريقا آخر في دفع الغضب والانتقام قائلا { وإما ينزغنك } وقد مر في آخر الأعراف . والمعنى إن صرفك الشيطان عما أمرت به فاستعذ بالله من شره وإنما قال هاهنا { إنه هو السميع العليم } بالفصل وتعريف الخبر ليكون مناسبا لما تقدمه من قوله { وما يلقاها } مؤكدا بالتكرار وبالنفي والإثبات ولم يكن هذا المقتضى في الأعراف فجاء على أصل الاسم معرفة والخبر نكرة .

/خ54