تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

الآية 33 وقوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا } كأنه يقول : ومن أحسن مذهبا وسيرة { ممن دعا إلى الله } أي إلى توحيد الله ودينه ، أو دعا إلى المعروف ، ونهى{[18507]} عن المنكر ، أي دعا غيره إلى ذلك ، وعمل بنفسه .

وهذا الحرف يجمع جميع الخيرات والطاعات .

فإن كان قوله : { ومن أحسن قولا } على ما ذكرنا من المذاهب والسيرة فكأنه يقول : ومن أحكم وأتقن مذهبا وسيرة ممن ذكر ؟

وإن كان على حقيقة القول فيكون قوله : { ومن أحسن قولا } أي ومن أصدق قولا ممن قال ما ذكر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [ يحتمل وجوها :

أحدها : أنه ]{[18508]} اختار الانتساب إلى الإسلام من بين غيره من الأديان والمذاهب . وقد أبى سائر الفِرَق الانتساب إلى الإسلام سوى أهل الإسلام .

والثاني : انتسب إلى ما خص الله سبحانه تعالى تسميتهم به ، وهو الإسلام كقوله تعالى : { هو سمّاكم المسلمين } [ الحج : 78 ] وقوله تعالى : { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ } [ البقرة : 128 ]

وقال في حق إبراهيم عليه السلام : { أسلم قال أسلمت لربّ العالمين } [ البقرة : 131 ] .

ويكون اسم المؤمن خاصا لأهل الحق ؛ فإن اليهود والنصارى سمّوا أنفسهم مؤمنين ، ولا يمتنعون عن إطلاق اسم المؤمن ، ويمتنعون عن إطلاق اسم المسلم .

ولهذا يقال : دار الإسلام ، ولا يقال دار الإيمان وإن كان الإسلام والإيمان واحدا لاختصاص هذا الاسم بهؤلاء ، والله أعلم .

[ والثالث : ]{[18509]} أنه اختار النسبة إلى الإسلام ، وغيره{[18510]} من الناس انتسبوا إلى ما هم من العزّ في الدنيا والشرف فيها وغير ذلك من الأسباب التي كانت لهم في الدنيا .

ثم اختُلف فيه : قال بعضهم : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم : هم المُؤذّنون ، وعلى ذلك رُوِيت الأخبار أنها نزلت في المُؤذّنين . وقال بعضهم : ذلك في كل مؤمن دعا الخلق إلى طاعة الله تعالى { وعمل صالحا } بنفسه ، والله أعلم .

وعن الحسن أنه تلا قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا } وقال{[18511]} : هذا صفوة الله ، هذا خِيرَة الله ، هذا أحب أهل الأرض إلى الله تعالى : أجاب في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته { وعمل صالحا } في إجابته { وقال إنني من المسلمين } بربهم{[18512]} ، هذا خليفة الله تعالى .


[18507]:في الأصل وم: والنهي.
[18508]:في الأصل وم: أي.
[18509]:في الأصل وم: أو يقال.
[18510]:في الأصل وم: وغيرهم.
[18511]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[18512]:في الأصل وم: بربه.