الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

قوله تعالى ذكره { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله } – إلى قوله – { وهم لا يسئمون } [ 32-37 ] معناه : لا أحد أحسن قولا ممن هذه صفته ، أي{[60391]} : ممن قال : ربنا الله ثم استقام{[60392]} على الإيمان به والقبول لأمره ونهيه ، ودعا عباد الله إلى ما قال به وما عمل . وقرأ الحسن يوما هذه الآية فقال{[60393]} : هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحب الخلق إلى الله ، أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجب الله من دعوته ، وعمل صالحا في إجابته ، وقال إنني من المسلمين ، فهو خليفة الله سبحانه{[60394]} .

فالآية عند الحسن لجميع المؤمنين .

وقال قتادة : هذا عبد صدق قوله عمله ، ومولجه مخرجه ، وسره علانيته{[60395]} وشاهده مغيبه ، ثم قال : وإن{[60396]} المنافق عبد خالف{[60397]} قوله عمله ومولجه مخرجه ، وسره / علانيته ، وشاهده مغيبه{[60398]} .

قال السدي : عنى بهذه نبي الله محمدا صلى الله عليه وسلم دعا إلى الله جل ذكره ، وعمل صالحا ، وقاله ابن زيد وابن سيرين ){[60399]} .

روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : نزلت في المؤذنين{[60400]} .

وقال عكرمة : قوله{[60401]} : { ممن دعا إلى الله } يعني : المؤذنين . { وعمل صالحا } ، قال : صلى وصام{[60402]} .

وذكر في حديث يرفعه : ( أول من ( يقضي ){[60403]} الله له بالرحمة يوم القيامة المؤذنون ، وأول المؤذنين مؤذنو مكة . قال : والمؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة . والمؤذنون إذا خرجوا من قبورهم أذنوا فنادوا بالآذان ، والمؤذنون لا يدودون في قبورهم{[60404]} .

وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( قالت الملائكة : لو كنا نزولا في الأرض ما سبقنا إلى الآذان أحد ){[60405]} .

وقال قيس بن أبي حازم{[60406]} : { ممن دعا إلى الله } ، قال : هو المؤمن { وعمل صالحا } قال : الصلاة بين الأذان والإقامة{[60407]} .

وهذه الآية تدل على أنه جائز أن يقول المسلم : أنا مسلم بلا استثناء ، أي : قد استسلمت لله عز وجل وخضعت له بالطاعة جلة عظمته{[60408]} .


[60391]:فوق السطر في (ت).
[60392]:(ح): استقاموا.
[60393]:في طرة (ت).
[60394]:انظر: جامع البيان 24/75، وأحكام ابن العربي 4/1662، وجامع القرطبي 15/360، وتفسير ابن كثير 4/102.
[60395]:(ح): على نيته.
[60396]:في طرة (ت).
[60397]:(ح): مخالف.
[60398]:انظر: جامع البيان 24/75.
[60399]:في طرة (ت). وانظر: جامع البيان 24/75، وجامع القرطبي 15/360، وتفسير ابن كثير 14/101
[60400]:انظر: إعراب النحاس 4/60، وأحكام ابن العربي 4/1662، وجامع القرطبي 15/360، وتفسير ابن كثير 4/101، وقد أورده ابن كثير مجهول القائل.
[60401]:فوق السطر في (ت).
[60402]:انظر: جامع القرطبي 15/360 وأورده ابن كثير في تفسير مجهول القائل 4/101.
[60403]:(ت): (يقضا)، و(ح): يقض.
[60404]:أخرجه مسلم في كتاب الصلاة 4 باب فضل الآذان ح 14 ج 1/290، وابن ماجة في كتاب الآذان 3 باب 5 فضل الآذان، وأحمد في مسنده 3/169 و3/264 و954. ولبيان معنى ما ورد في الحديث من أن المؤذنين أطول الناس أعناقا يوم القيامة يقول المناوي في فيض القدير 6/250: (أي: أكثرهم تشوفا إلى رحمة الله لأن التشوف يطيل عنقه إلى ما تشوف إليه. أو يكونون سادة، والعرب تصف السادة بطول العنق أو معناه: أكثر ثوابا، يقال: لفلان عنق من الخير، أي: قطعة منه).
[60405]:جاء في إعراب النحاس 4/61 بلفظه.
[60406]:هو قيس بن عبد عوف بن الحارث الأحمسي البجلي، تابعي جليل. أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحل إليه ليبايعه، فقبض النبي وقيس في الطريق. سكن الكوفة، وروى عن الأصحاب العشرة توفي سنة 98 هـ. وفي ذلك خلاف. انظر: الاستيعاب 3/1285 ت 2126، والإصابة 3/267 ت 7274، والأعلام 5/207.
[60407]:انظر: جامع البيان 24/75، وجامع القرطبي 15/360.
[60408]:انظر: إعراب النحاس 4/52.