{ فَأَثَرْنَ بِهِ } من الإثارة وهي التهييج وتحريك الغبار ونحوه والأصل أثورن نقلت حركة الواو إلى ما قبلها وقلبت ألفاً وحذفت لاجتماع الساكنين والفعل عطف على الاسم قبله وهو { العاديات } أو ما بعده لأنه اسم فاعل وهو في معنى الفعل خصوصاً إذا وقع صلة فكأنه قيل فاللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن ولا شذوذ في مثله لأن الفعل تابع فلا يلزم دخول أل عليه ولا حاجة إلى أن يقال هو معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه والحكمة في مجيء هذا فعلاً بعد اسم فاعل على ما قال ابن المنير تصوير هذه الأفعال في النفس فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة وكذلك التصوير بالمضارع بعد المضارع كقول ابن معد يكرب :
بأني قد لقيت الغول يهوى *** بشهب كالصحيفة صحصحان فآخذه فأضربه فخرت
صريعاً لليدين وللجران *** وخص هذا المقام من الفائدة على ما قال الطيبي : إن الخيل وصفت بالأوصاف الثلاثة ليرتب عليها ما قصد من الظفر بالفتح فجيء بهذا الفعل الماضي وما بعده مسببين عن أسماء الفاعلين فأفاد ذلك أن تلك المداومة أنتجت هاتين البغيتين ويفهم منه أن الفاء لتفريع ما بعدها عما قبلها وجعله مسبباً عنه وسيأتي الكلام فيها قريباً إن شاء الله تعالى وضمير به للصبح والباء ظرفية أي فهيجن في ذلك الوقت { نَقْعاً } أي غباراً وتخصيص إثارته بالصبح لأنه لا يثور أولاً يظهر ثورانه بالليل وبهذا يظهر أن الإيراء الذي لا يظهر في النهار واقع في الليل وفي ذكر إثارة الغبار إشارة بلا غبار إلى شدة العدو وكثرة الكر والفر وكثيراً ما يشيرون به إلى ذلك ومنه قول ابن رواحة
: عدمت بنيتي إن لم تروها *** تثير النقع من كنفي كداء
وقال أبو عبيدة النقع رفع الصوت ومنه قول لبيد
: فمتى ينقع صراخ صادق *** يحلبوه ذات جرس وزجل
وقول عمر رضي الله تعالى عنه وقد قيل له يوم توفي خالد بن الوليد أن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد ما على نساء بني المغيرة أن يسفكن على أبي سليمان دموعهن وهن جلوس ما لم يكن نقع ولا لقلقة والمعنى عليه فهيجن في ذلك الوقت صياحاً وهو صياح من هجم عليه وأوقع به والمشهور المعنى الأول وجوز كون ضمير به للعدو الدال عليه العاديات أو للإغارة الدال عليها المغيرات والتذكير لتأويلها بالجري ونحوه والباء للسببية أو للملابسة وجوز كونها ظرفية أيضاً والضمير للمكان الدال عليه السياق والأول أظهر وألطف ومثله ضمير به في قوله عز وجل :
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول : فأثرن بجريهن - يعني بحوافرهن - نقعا في التراب . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا } يقول تعالى ذكره : فرفعن بالوادي غُبارا ، والنقْع : الغبار ، ويقال : إنه التراب . والهاء في قوله «به » كناية اسم الموضع ، وكنى عنه ، ولم يجر له ذكر ؛ لأنه معلوم أن الغبار لا يثار إلا من موضع ، فاستغنى بفهم السامعين بمعناه من ذكره . ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
إخبار منه تعالى أن هذه الخيل تثير الغبار بعدوها ، وسمي الغبار النقع ؛ لأنه يغوص فيه صاحبه كما يغوص في الماء ...
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
الهاء الأولى : كناية عن الحوافر ، وهي الموريات ، أي أترن بالحوافر نقعا ، والثانية : كناية عن الإغارة ، وهي المغيرات صبحا . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والضمير في { به } ظاهر أنه للصبح المذكور ، ويحتمل أن يكون للمكان والموضع الذي يقتضيه المعنى ، وإن كان لم يجر له ذكر ، ولهذا أمثلة كثيرة ، ومشهورة . إثارة النقع هو للخيل ... وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هو هنا الإبل تثير النقع بأخفافها . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ فأثرن به } أي بفعل الإغارة ومكانها وزمانها من شدة العدو { نقعاً } أي غباراً... حتى صار ذلك الغبار منحبكاً ومنعقداً عليها .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{ وأثَرنَ به نقعاً } : أصعَدْن الغبار من الأرض من شدة عدْوِهن ، والإِثارة : الإِهاجة ، والنقع : الغبار .
والباء في { به } يجوز أن تكون سببية ، والضمير المجرور عائد إلى العَدْوِ المأخوذ من { العاديات } . ويجوز كون الباء ظرفية والضمير عائداً إلى { صبحاً } ، أي أثرن في ذلك الوقت وهو وقت إغارتها .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«النقع » هو الغبار ، وأصل الكلمة انغماس الماء ، أو الانغماس في الماء ، والانغماس في التراب يشبهه ، ولذلك اتخذ نفس الاسم . و«النقيع » الماء الراكد . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.