الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعٗا} (4)

وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني في الأفراد وابن مردويه عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً فاستمرت شهراً لا يأتيه منها خبر فنزلت { والعاديات ضبحاً } ضبحت بأرجلها ، ولفظ ابن مردويه : ضبحت بمناخيرها { فالموريات قدحاً } قدحت بحوافرها الحجارة فأورت ناراً { فالمغيرات صبحاً } صبحت القوم بغارة { فأثرن به نقعاً } أثارت بحوافرها التراب { فوسطن به جمعاً } صبحت القوم جميعاً .

وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى العدو فأبطأ خبرها ، فشق ذلك عليه ، فأخبره الله خبرهم ، وما كان من أمرهم فقال : { والعاديات ضبحاً } قال : هي الخيل ، والضبح : نخير الخيل حتى تنخر { فالموريات قدحاً } قال : حين تجري الخيل توري ناراً أصابت بسنابكها الحجارة { فالمغيرات صبحاً } قال : هي الخيل أغارت فصبحت العدو { فأثرن به نقعاً } قال : هي الخيل أثرن بحوافرها ، يقول : تعدو الخيل ، والنقع الغبار { فوسطن به جمعاً } قال : الجمع العدوّ » .

وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال : تقاولت أنا وعكرمة في شأن العاديات ، فقال : قال ابن عباس : هي الخيل في القتال ، وضبحها حين ترخي مشافرها إذا أعدت { فالموريات قدحاً } قال : أرت المشركين مكرهم { فالمغيرات صبحاً } قال : إذا صبحت العدو { فوسطن به جمعاً } قال : إذا توسطت العدو . قال أبو صالح : فقلت : قال عليّ : هي الإِبل في الحج ، ومولاي كان أعلم من مولاك .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم - وصححه - وابن مردويه عن ابن عباس قال : بينما أنا في الحجر جالس إذ أتاني رجل فسأل عن العاديات ضبحاً فقلت : الخيل حين تغير في سبيل الله ثم تأوي إلى الليل ، فيصنعون طعامهم ، ويورون نارهم ، فانفتل عني فذهب عني إلى علي بن أبي طالب وهو جالس تحت سقاية زمزم ، فسأله عن العاديات ضبحاً . فقال : سألت عنها أحداً قبلي ؟ قال : نعم . سألت عنها ابن عباس فقال : هي الخيل حين تغير في سبيل الله . فقال : اذهب فادعه لي . فلما وقفت على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك ، والله إن أول غزوة في الإِسلام لبدر ، وما كان معنا إلا فرسان : فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود ، فكيف يكون العاديات ضبحاً ؟ إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة ، فإذا أدوا إلى المزدلفة أوروا إلى النيران { والمغيرات صبحاً } من المزدلفة إلى منى ، فذلك جمع ، وأما قوله : { فأثرن به نقعاً } فهو نقع الأرض حين تطؤه بخفافها وحوافرها . قال ابن عباس : فنزعت عن قولي ، ورجعت إلى الذي قال عليّ .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله { والعاديات ضبحاً } قال : الإِبل . قال إبراهيم : وقال علي بن أبي طالب : هي الإِبل . وقال ابن عباس : هي الخيل . فبلغ علياً قول ابن عباس فقال : ما كانت لنا خيل يوم بدر . قال ابن عباس : إنما كان ذلك في سرية بعثت .

وأخرج عبد بن حميد عن عامر قال : تمارى عليّ وابن عباس في العاديات ضبحاً ، فقال ابن عباس : هي الخيل ، وقال عليّ : كذبت يا ابن فلانة ، والله ما كان معنا يوم بدر فارس إلا المقداد ، وكان على فرس أبلق . قال : وكان عليّ يقول : هي الإِبل . فقال ابن عباس : ألا ترى أنها تثير نقعاً ، فما شيء تثيره إلا بحوافرها .

وأخرج عبد بن حميد والحاكم - وصححه - من طريق مجاهد عن ابن عباس { والعاديات ضبحاً } قال : الخيل { فالموريات قدحاً } قال : الرجل إذا أورى زنده { فالمغيرات صبحاً } قال : الخيل تصبح العدوّ { فأثرن به نقعاً } قال : التراب { فوسطن به جمعاً } قال : العدو { إن الإِنسان لربه لكنود } قال : لكفور .

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { والعاديات ضبحاً } قال : قال ابن عباس : في القتال ، وقال ابن مسعود : في الحج .

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس { والعاديات ضبحاً } قال : ليس بشيء من الدواب يضبح إلا كلب أو فرس { فالموريات قدحاً } قال : هو مكر الرجل قدح فأورى { فالمغيرات صبحاً } قال : غارت الخيل صبحاً { فأثرن به نقعاً } قال : غبار وقع سنابك الخيل { فوسطن به جمعاً } قال : جمع العدو . قال عمرو : وكان عبيد بن عمير يقول : هي الإِبل .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { والعاديات ضبحاً } قال : الخيل ، ضبحها زجرها . ألم تر أن الفرس إذا عدا قال : أح أح ، فذاك ضبحها .

وأخرج ابن جرير عن علي قال : الضبح من الخيل الحمحمة ، ومن الإِبل النفس .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { والعاديات ضبحاً } قال : هي الخيل تعدو حتى تضبح { فالموريات قدحاً } قال : قدحت النار بحوافرها { فالمغيرات صبحاً } غارت حين أصبحت { فأثرن به نقعاً } قال : غبار { فوسطن به جمعاً } قال : جمع القوم { إن الإِنسان لربه لكنود } قال : لكفور .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن مجاهد { والعاديات ضبحاً } قال : الخيل . ألم تر إلى الفرس إذا أجري كيف يضبح ، وما ضبح بعير قط { فالموريات قدحاً } قال : المكر . تقول العرب إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : أما والله لأقدحن لك ، ثم لأورين { فالمغيرات صبحاً } قال : الخيل { فأثرن به نقعاً } قال : التراب مع وقع الخيل { فوسطن به جمعاً } قال : جمع العدو { إن الإِنسان لربه لكنود } قال : لكفور .

وأخرج عبد بن حميد عن عطية { والعاديات ضبحاً } قال : الخيل . ألم ترها إذا عدت تزحر ، يقول : تنحر { فالموريات قدحاً } قال : الكر { فالمغيرات صبحاً } قال : الخيل { فأثرن به نقعاً } قال : الغبار { فوسطن به جمعاً } قال : جمع المشركين { إن الإِنسان لربه لكنود } قال : لكفور .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس { فالموريات قدحاً } قال : كان مكر المشركين إذا مكروا قدحوا النار حتى يروا أنهم كثير .

وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { فأثرن به نقعاً } قال : النقع ما يسطع من حوافر الخيل . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم . أما سمعت حسان بن ثابت وهو يقول :

عدمنا خيلنا إن لم تروها *** تثير النقع موعدها كداء

قال : فأخبرني عن قوله { إن الإِنسان لربه لكنود } قال : الكنود الكفور للنعمة ، وهو الذي يأكل وحده ، ويمنع رفده ، ويجيع عبده . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :

شكرت له يوم العكاظ نواله *** ولم أك للمعروف ثم كنودا

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود { والعاديات ضبحاً } قال : هي الإِبل في الحج { فالموريات قدحاً } إذا استفت الحصى بمناسمها تضرب الحصى بعضه بعضاً فيخرج منه النار { فالمغيرات صبحاً } حين يفيضون من جمع { فأثرن به نقعاً } قال : إذا صرن يثرن التراب .

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء { والعاديات ضبحاً } قال : الإِبل { فالموريات قدحاً } قال : الخيل { فوسطن به جمعاً } قال : القوم { إن الإِنسان لربه لكنود } قال : لكفور .

وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب القرظي { والعاديات ضبحاً } قال : الدفعة من عرفة { فالموريات قدحاً } قال : النيران تجمع { فالمغيرات صبحاً } قال : الدفعة من جمع { فأثرن به نقعاً } قال : بطن الوادي { فوسطن به جمعاً } قال : جمع منى .