فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعٗا} (4)

{ فأثرن به نقعا } معطوف على الفعل الذي دل عليه اسم الفاعل ؛ إذ المعنى : واللاتي غدرن فأثرن ، أو على اسم الفاعل نفسه لكونه في تأويل الفعل لوقوعه صلة للموصول ، فإن الألف واللام في الصفات أسماء موصولة ، فالكلام في قول : واللاتي غدرن فأورين فأغرن فأثرن ، والنقع : الغبار الذي أثارته في وجه العدو عند الغزو .

وتخصيص إثارته بالصبح ؛ لأنه وقت الإغارة ، ولكونه لا يظهر أثر النقع في الليل الذي اتصل به الصبح . وقيل : المعنى فأثرن بمكان عدوهن نقعا ، يقال ثار النقع ، وأثرته ، أي هاج وهيجته .

قرأ الجمهور ( فأثرن ) بتخفيف الثاء ، وقرئ بتشديدها ، أي فأظهرن غبارا ، وقال أبو عبيدة : النقع رفع الصوت ، وعلى هذا رأيت قول أكثر أهل العلم ، انتهى .

والمعروف عند جمهور أهل اللغة والمفسرين أن النقع : الغبار ، وهذا هو المناسب لمعنى الآية ، وليس لتفسير النقع بالصوت فيها كثير معنى ، فإن قولك أغارت الخيل على بني فلان صبحا فأثرن به صوتا قليل الجدوى ، مغسول المعنى ، بعيد من بلاغة القرآن المعجزة .

وقيل : النقع شق الجيوب ، وقال محمد بن كعب : النقع ما بين مزدلفة إلى منى ، وقيل : إنه طريق الوادي ، قال في الصحاح : النقع : الغبار ، والجمع أنقاع ، والنقع محبس الماء ، وكذلك ما اجتمع في البئر منه . والنقع : الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء .

قال ابن عباس في الآية : أثارت بحوافرها التراب ، وقال أيضا/ هي الخيل أثرن بحوافرها . يقول : بعدو الخيل ، والنقع : الغبار ، وعنه قال : التراب ، وقال أيضا : نقعا غبارا ، وقال ابن مسعود : إذا سرن يثرن التراب .