فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعٗا} (4)

{ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } معطوف على الفعل الذي دلّ عليه اسم الفاعل ، إذ المعنى : واللاتي عدون فأثرن ، أو على اسم الفاعل نفسه لكونه في تأويل الفعل لوقوعه صلة للموصول ، فإن الألف واللام في الصفات أسماء موصولة ، فالكلام في قوّة : واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن ، والنقع : الغبار الذي أثرته في وجه العدو عند الغزو ، وتخصيص إثارته بالصبح ، لأنه وقت الإغارة ، ولكونه لا يظهر أثر النقع في الليل الذي اتصل به الصبح . وقيل المعنى : فأثرن بمكان عدوهنّ نقعاً ، يقال ثار النقع ، وأثرته : أي هاج أو هيجته . قرأ الجمهور «فَأَثَرْنَ » بتخفيف المثلثة . وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بالتشديد : أي فأظهرن به غباراً ، وقال أبو عبيدة : النقع رفع الصوت ، وأنشد قول لبيد :

فمتى نقع صراخ صادق *** يجلبوها ذات جرس وزجل

يقول حين سمعوا صراخاً أجلبوا الحرب : أي جمعوا لها . قال أبو عبيدة : وعلى هذا رأيت قول أكثر أهل العلم انتهى . والمعروف عند جمهور أهل اللغة والمفسرين أن النقع : الغبار ، ومنه قول الشاعر :

يخرجن من مستطار النقع دامية *** كأنّ أذنابها أطراف أقلام

وقول عبد الله بن رواحة :

عدمنا خيلنا إن لم تروها *** تثير النقع من كنفي كداء

وقول الآخر :

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا *** وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

وهذا هو المناسب لمعنى الآية ، وليس لتفسير النقع بالصوت فيها كثير معنى ، فإن قولك أغارت الخيل على بني فلان صبحاً ، فأثرن به صوتاً ، قليل الجدوى مغسول المعنى بعيد من بلاغة القرآن المعجزة . وقيل النقع : شقّ الجيوب ، وقال محمد بن كعب : النقع ما بين مزدلفة إلى منى ، وقيل : إنه طريق الوادي . قال في الصحاح : النقع الغبار ، والجمع أنقاع ، والنقع محبس الماء ، وكذلك ما اجتمع في البئر منه ، والنقع الأرض الحرّة الطين يستنقع فيها الماء .

/خ11