قوله تعالى : { فأثرن به نقعا }
أي غبارا ، يعني الخيل تثير الغبار بشدة العدو في المكان الذي أغارت به . قال عبد الله بن رواحة :
عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إن لم تَرَوْها*** تُثِيرُ النَّقْعَ من كَنَفَيْ كَدَاءِ{[16300]}
والكناية في " به " ترجع إلى المكان أو إلى الموضع الذي تقع فيه الإغارة . وإذا علم المعنى جاز أن يكني عما لم يجر له ذكر بالتصريح ، كما قال { حتى توارت بالحجاب }{[16301]}[ ص : 32 ] . وقيل : { فأثرن به } ، أي بالعدو " نقعا " . وقد تقدم ذكر العدو . وقيل : النقع : ما يبين مزدلفة إلى منى . قاله محمد بن كعب القرظي . وقيل : إنه طريق الوادي ، ولعله يرجع إلى الغبار المثار من هذا الموضع . وفي الصحاح : النقع : الغبار ، والجمع : نقاع . والنقع : محبس الماء ، وكذلك ما اجتمع في البئر منه . وفي الحديث : أنه نهى أن يمنع نقع البئر . والنقع الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء ، والجمع : نقاع وأنقع ، مثل بحر وبحار وأبحر .
قلت : وقد يكون النقع رفع الصوت ، ومنه حديث عمر حين قيل له : إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد ، فقال : وما على نساء بني المغيرة أن يسفكن من دموعهن وهن جلوس على أبي سليمان ، ما لم يكن نقع ، ولا لقلقة . قال أبو عبيد : يعني بالنقع رفع الصوت ، على هذا رأيت قول الأكثرين من أهل العلم ، ومنه قول لبيد :
فمتى ينْقَعْ صراخٌ صادقٌ *** يُحْلِبُوهَا ذاتَ جرس وزَجَلْ
ويروى " يَحْلِبوها " أيضا . يقول : متى سمعوا صراخا أحلبوا الحرب ، أي جمعوا لها . وقوله " ينقع صراخ " : يعني رفع الصوت . وقال الكسائي : قوله " نقع ولا لقلقة " النقع : صنعه الطعام ، يعني في المأتم . يقال منه : نقعت أنقع نقعا . قال أبو عبيد : ذهب بالنقع إلى النقيعة ، وإنما النقيعة عند غيره من العلماء : صنعة الطعام عند القدوم من سفر ، لا في المأتم . وقال بعضهم : يريد عمر بالنقع وضع التراب على الرأس ، يذهب إلى أن النقع هو الغبار . ولا أحسب عمر ذهب إلى هذا ، ولا خافه منهن ، وكيف يبلغ خوفه ذا وهو يكره لهن القيام . فقال : يسفكن من دموعهن وهن جلوس . قال بعضهم : النقع : شق الجيوب ، وهو الذي لا أدري ما هو من الحديث ولا أعرفه ، وليس النقع عندي في الحديث إلا الصوت الشديد ، وأما اللقلقة : فشدة الصوت ، ولم أسمع فيه اختلافا . وقرأ أبو حيوة " فأثّرن " بالتشديد ، أي أرت آثار ذلك . ومن خفف فهو من أثار : إذا حرك ، ومنه { وأثاروا الأرض }{[16302]}[ الروم : 9 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.