محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعٗا} (4)

{ فأثرن به نقعا } أي فأهجن بذلك الوقت غبارا ، من الإثارة وهي التهييج وتحريك الغبار ونحوه ليرتفع ، والنقع الغبار كما ذكرنا ، وورد بمعنى الصياح ، فجوز إرادته هنا بمعنى صياح من هجم عليه ، وأوقع به ، لا صياح المغير المحارب ، وإن جاز على بعد فيه ، أي هيجن الصياح بالإغارة على العدو . وضمير { به } للوقت ، والباء ظرفية ، وفيه احتمالات أخر ككونه للعدو أو للإغارة لتأويلها بالجري ، فالباء سببية ، أو للملابسة ، ويجوز كونها ظرفية أيضا ، والضمير للمكان الدال عليه السياق ، للعلم بأن الغبار لا يثار إلا من موضع ، وهو الذي اختاره ابن جرير .

قال الشهاب : وذكر إثارة الغبار للإشارة إلى شدة العدو ، وكثرة الكر والفر ، وتخصيص الصبح لأن الغارة كانت معتادة فيه ، أي لمباغتته العدو ، والغبار إنما يظهر نهارا . و ( أثرن ) معطوف على ما قبله .

قال الناصر : وحكمة الإتيان بالفعل معطوفا على الاسم -الذي هو العاديات ، أو ما بعده- لأنها أسماء فاعلين تعطي معنى الفعل ، وحكمة مجيء هذا المعطوف فعلا عن اسم فاعل تصوير هذه الأفعال في النفس ، فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف ، وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة ، وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي .