قوله : { فَأَثَرْنَ } . عطف الفعل على الاسم ، لأن الاسم في تأويل الفعل لوقوعه صلة ل «أل » .
قال الزمخشريُّ{[60691]} : «معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه ، يعني في الأصل ؛ إذ الأصل : واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن » .
قوله : { بِهِ } . في الهاء أوجه :
أحدها : أنه ضمير الصبح ، أي : فأثرن في وقت الصبح غباراً . وهذا حسن ؛ لأنه مذكور بالتصريح .
الثاني : أنه عائد على المكان ، وإن لم يجر له ذكر ؛ لأن الإشارة لا بد لها من مكان ، والسياق والعقل لا يدلان عليه ، وإذا علم بالمعنى جاز أن يكون عما لم يجر له ذكر بالصريح ، كقوله تعالى : { حتى تَوَارَتْ بالحجاب } [ ص : 32 ] . وفي عبارة الزمخشري : «وقيل : الضمير لمكان الغارةِ » ، وهذا على تلك اللغيَّة ، وإلا فالفصيح أن تقول : الإغارة .
الثالث : أنه ضمير العدو الذي دل عليه «والعَادِيَاتِ » .
وقرأ العامة : بتخفيف الثاء ، أثار كذا إذا نشره وفرقه مع ارتفاع .
وقرأ أبو حيوة ، وابن{[60692]} أبي عبلة : بتشديدها .
وخرجه الزمخشري{[60693]} على وجهين :
الأول : بمعنى فأظهرن به غباراً ؛ لأن التأثير فيه معنى الإظهار .
الثاني : قلب «ثورن » إلى «وثَرْنَ » ، وقلب الواو همزة انتهى .
يعني : الأصل «ثَوّرنَ » من ثور يثور - بالتشديد - عداه بالتضعيف كما يعدى بالهمزة في قولك : أثاره ، ثم قلب الكلمة بأن جعل العين -وهي الواو - موضع الفاء -وهي الثاء- ، ووزنها حينئذ «عفلن » ، ثم قلب الواو همزة ، فصار : «أثَرْنَ » ، وهذا بعيد جداً ، وعلى تقدير التسليم ، فقلب الواو المفتوحة همزة لا ينقاس ، إنما جاءت منه ألفاظ ك «أحد وأناة » . والنقع : الغبار .
5274- يَخْرُجْنَ مِنْ مُسْتَطَارِ النقع دَائمَةً *** كَأنَّ آذَانهَا أطْرافُ أقْلامِ{[60694]}
5275- عَدِمتُ بُنَيَّتِي إنْ لَمْ تَروْهَا *** تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنفَيْ كَدَاءِ{[60695]}
وقال أبو عبيدة : النقع ، رفع الصوت ؛ قال لبيدٌ : [ الرمل ]
5276- فَمتَى يَنْقَعْ صُراخٌ صَادِقٌ *** يُحْلبُوهَا ذَاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ{[60696]}
يروى : «يجلبوها » أيضاً ، يقول : متى سمعوا صراخاً أجلبوا الحرب ، أي : جمعوا لها ، وقوله : «ينقع صراخ » يعني رفع الصوت .
قال الزمخشري{[60697]} : ويجوز أن يراد بالنَّقع : الصياح ، من قوله عليه الصلاة والسلام : «لَمْ يكُنْ نَقعٌ ولا لَقلَقةٌ »{[60698]} .
5277- *** فَمتَى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ ***{[60699]}
أي : فهيجن في المغار عليهم صياحاً وجلبة .
وقال أبو عبيد : وعلى هذا رأيت قول أكثر أهل العلم ، انتهى . فعلى هذا تكون الباء بمعنى «في » ، ويعود الضمير على المكان الذي فيه الإغارة ، كما تقدم .
وقال الكسائيُّ : قوله : «نقْعٌ ولا لقْلقَةٌ » النّقع : صنعة الطعام ، يعني في المأتم ، يقال منه : نقعت أنقع نقعاً . قال أبو عبيد : ذهب بالنقع إلى النقيعة ، وإنما النقيعة عند غيره من العلماء : صنعة الطعام عند القدوم من سفر ، لا في المأتم .
وقال بعضهم : يريد عمرو بالنقع وضع التراب على الرأس ، فذهب إلى أن النقع هو التراب .
قال القرطبي{[60700]} : ولا أحسب عمراً ذهب إلى هذا ، ولا خافه منهن ، وكيف يبلغ خوفه ذا ، وهو يكره لهن القيام ، فقال : يسفكن من دموعهن وهن جلوس .
قال بعضهم : النقع : شق الجيوب ، قال : وهو الذي لا أدري ما هو من الحديث ولا أعرفه ، وليس النقع عندي في هذا الحديث إلا الصوت الشديد ، وأما اللَّقلقة : فشدة الصوت ، ولم أسمع فيه اختلافاً .
[ قال محمد بن كعب القرظي : النقع بين «مزدلفة » إلى «منى »{[60701]} .
وقيل : إنه طريق الوادي ، ولعله يرجع إلى الغبار المثار من هذا الموضع .
وفي «الصحاح »{[60702]} النقع الغبار ، والجمع : النقاع ، والنقع محبس الماء ، وكذلك ما اجتمع في البئر منه .
وفي الحديث : أنه نهى أن يمنع نقع{[60703]} البئر .
والنقع : الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء ، والجمع : نقاع وأنقع ، مثل : بحار وبحر وأبحر ]{[60704]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.