قوله : { فَأَثَرْنَ } : عَطَفَ الفعلَ على الاسمِ ؛ لأنَّ الاسمَ في تأويل الفعلِ لوقوعِه صلةً ل أل . قال الزمخشري : " معطوفٌ على الفعلِ الذي وُضِعَ اسمُ الفاعلِ موضعَه " ، يعني في الأصل ، إذ الأصلُ : واللاتي عَدَوْنَ فأَوْرَيْنَ فأغَرْنَ فَأَثَرْنَ .
قوله : { بِهِ } : في الهاء أوجهٌ :
أحدُهما : أنها ضميرُ الصُّبح ، أي : فَأَثَرْنَ في وقتِ الصُّبح غُباراً . وهذا حَسَنٌّ ؛ لأنه مذكورٌ بالصَّريح .
الثاني : أنه عائدٌ على المكانِ ، وإن لم يَجْرِ له ذِكْرٌ ؛ لأنَّ الإِثارةَ لا بُدَّ لها من مكان ، فالسِّياقُ والفعلُ يَدُلاَّن عليه . وفي عبارةِ الزمخشريِّ : " وقيل : الضمير لمكان الغارة " ، هذا على تلك اللُّغَيَّةِ ، وإلاَّ فالفصيحُ أَنْ يقولَ : الإِغارة .
الثالث : أنَّه ضميرُ العَدْوِ الذي دَلَّ عليه " والعادياتِ " .
وقرأ العامَّةُ بتخفيفِ الثاءِ ، مِنْ أثار كذا : إذا نَشَره وفَرَّقه مع ارتفاعٍ . وقرأ أبو حَيْوَةَ وابن أبي عبلة بتشديدها ، وخَرَّجه الزمخشريُّ على وجهَيْن : الأولُ بمعنى فأَظْهَرْنَ به غباراً ؛ لأنَّ التأثيرَ فيه معنى الإِظهارِ . والثاني : أنه قَلَبَ " ثَوَّرْنَ " إلى " وَثَّرْنَ " وقَلَبَ الواوَ همزةً . انتهى . قلت : يعني أنَّ الأصلَ : ثَوَّرْنَ ، مِنْ ثَوَّر يُثَوِّرُ بالتشديد عَدَّاه بالتضعيف ، كما يُعَدَّى بالهمزة في قولِك : أثاره ، ثم قَلَبَ الكلمةَ : بأنْ جَعَلَ العينَ -وهي الواوُ - موضعَ الفاء ، وهي الثاءُ ، فصارت وَثَّرْنَ ، ووزنُها حينئذٍ عَفَّلْنَ ، ثم قَلَبَ الواوَ همزةً ، فصار " أَثَرْنَ " وهذا بعيدٌ جداً . وعلى تقديرِ التسليمِ فَقَلْبُ الواوِ المفتوحةِ همزةً لا يَنْقاس ، إنما جاءت منه أُلَيْفاظٌ كأَحَدٍ وأَناةٍ . والنَّقْعُ : الغبار ، وأُنْشِد :
يَخْرُجْنَ مِنْ مُسْتطارِ النَّقْعِ داميةً *** كأنَّ آذانَها أطرافُ أَقْلامِ
عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إنْ لَمْ تَرَوْها *** تُثير النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَداءِ
وقال أبو عبيد : " النَّقْعُ رَفْعُ الصوتِ " ، وأَنْشَد :
فمتى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ *** يُحْلِبُوْها ذاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ
قال الزمخشري : " ويجوزُ أَنْ يُرادَ بالنَّقْع الصياحُ ، من قولِه عليه السلام : " ما لم يكن نَقْعٌ ولا لَقْلَقَةٌ " وقولُ لبيد :
فمتى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي : هَيَّجْنَ في المَغارِ عليهم صَباحاً " انتهى . فعلى هذا تكون الباءُ بمعنى " في " ، ويعودُ الضمير على المكانِ الذي فيه الإِغارةُ كما تقدَّمَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.