{ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } هو خطاب لموسى وهارون عليهما السلام ، وظاهره أن هارون عليه السلام دعا بمثل ما دعا موسى عليه السلام حقيقة لكن اكتفى بنقل دعاء موسى عليه السلام لكونه الرسول بالاستقلال عن نقل دعائه وأشرك بالبشارة إظهاراً لشرفه عليه السلام ، ويحتمل أنه لم يدع حقيقة لكن أضيفت الدعوة إليه أيضاً بناءً على أن دعوة موسى في حكم دعوته لمكان كونه تابعاً ووزيراً له ، والذي تضافرت به الآثار أنه عليه السلام كان يؤمن لدعاء أخيه والتأمين دعاء ، فإن معنى آمين استجب وليس اسماً من أسمائه تعالى كما يروونه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، قيل : ولكونه دعاء استحب الحنفية الإسرار به ، وفيه نظر لأن الظاهر أن مدار استحباب الإسرار والجهر ليس كونه دعاءً فإن الشافعية استحبوا الجهر به مع أن المشهور عنهم أنهم قائلون أيضاً بكونه دعاء ، وظاهر كلام بعض المحققين أن إضافة الرب إلى ضمير المتكلم مع الغير في المواقع الثلاثة تشعر بأنه عليه السلام كان يؤمن لدعاء موسى عليه السلام ولا يخفى ما في ذلك الإشعار من الخفاء . وقرىء { *دعواتكما } بالجمع ووجهه ظاهر { دَّعْوَتُكُمَا فاستقيما } فامضيا لأمري واثبتا على ما أنتم عليه من الدعوة وإلزام الحجة ولا تستعجلاً فإن ما طلبتماه كائن في وقته لا محالة . أخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : يزعمون أن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة ، وأخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله ، وأخرج الترمذي عن مجاهد أن الدعوة أجيبت بعد أربعين سنة ولم يذكر الزعم { وَلاَ تَتَّبِعَانّ سَبِيلَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ } بعادات الله تعالى في تعليق الأمور بالحكم والمصالح أو سبيل الجهلة في عدم الوثوق بوعد الله سبحانه ، والنهي لا يقتضي صحة وقوع المنهي عنه فقد كثر نهي الشخص عما يستحيل وقوعه منه ، ولعل الغرض منه هنا مجرد تأكيد أمر الوعد وإفادة أن في تأخير إنجازه حكماً إلهية . وعن ابن عامر أنه قرأ { وَلاَ تَتَّبِعَانّ } بالنون الخفيفة المكسورة لالتقاء الساكنين ، ووجه ذلك ابن الحاجب بأن { لا } نافية والنون علامة الرفع ، والجملة إما في موضع الحال من الضمير المرفوع في استقيما كأنه قيل : استقيما غير متبعين ، والجملة المضارعية المنفية بلا الواقعة حالاً يجوز اقترانها بالواو وعدمه خلافاً لمن زعم وجوب عدم الاقتران بالواو إلا أن يقدر مبتدأ ، وإما معطوفة على الجملة الطلبية التي قبلها وهي وإن كانت خبرية لفظاً إلا أنها طلبية معنى لأن المراد منها النهي كما في قوله تعالى : { تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ } [ الصف : 11 ] و { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله }
[ البقرة : 83 ] والنهي المخرج بصورة الخبر أبلغ من النهي المخرج بصورته ، ويجوز أن تعتبر الجملة مستأنفة للإخبار بأنهما لا يتبعان سبيل الجاهلين ، ومن الناس من جعل { لا } في قراءة العامة نافية أيضاً وهو ضعيف لأن النفي لا يؤكد على الصحيح ، وقيل : { لا } ناهية والنون نون التوكيد الخفيفة كسرت لالتقاء الساكنين وهو تخريج لين فإن الكسائي وسيبويه لا يجيزانه لأنهما يمنعان وقوع الخفيفة بعد الألف سواء كانت ألف التثنية أو الألف الفاصلة بين نون الإناث ونون التوكيد نحو هل تضربنان يا نسوة ، وأيضاً النون الخفيفة إذا لقيها ساكن لزم حذفها عند الجمهور ولا يجوز تحريكها ، لكن يونس . والفراء أجازا ذلك وفيه عنهما روايتان إبقاؤها ساكنة لأن الألف لخفتها بمنزلة الفتحة وكسرها على أصل التقاء الساكنين وعلى هذا يتم ذاك التخريج .
وقيل : إن هذه النون هي نون التوكيد الثقيلة إلا أنها خففت وهو كما ترى ، وعنه أيضاً { وَلاَ تَتَّبِعَانّ } بتخفيف التاء الثانية وسكونها وبالنون المشددة من تبع الثلاثي ، وأيضاً { وَلاَ تَتَّبِعَانّ } وهي كالأولى إلا أن النون ساكنة على إحدى الروايتين عمن تقدم في تسكين النون الخفيفة بعد الألف على الأصل واغتفار التقاء الساكنين إذا كان الأول ألفاً كما في محياي . ثم اعلم أنه اشتهر في تعليل كسر النون في قراءة العامة بأنه لالتقاء الساكنين وظاهره أنه بذلك زال التقاء الساكنين وليس كذلك إذ الساكنان هما الألف والنون الأولى ولا شيء منهما بمتحرك وإنما المتحرك النون الثانية ، ومن هنا قال بعض محققي النحاة : إن أصل التحريك ليتأتى الإدغام وكونه بالكسر تشبيهاً بنون التثنية ، والتقاء الساكنين أعني الألف والنون الأولى غير مضر لما قالوا من جوازه إذا كان الأول حرف مد والثاني مدغماً في مثله كما في دابة لارتفاع اللسان بهما معاً حينئذٍ وقد حقق ذلك في موضعه فليراجع هذا والله تعالى أعلم ويرضى .
( ومن باب الإشارة ) :{ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فاستقيما } [ يونس : 89 ] أي على ما أنتما عليه من الدعوة شكراً لتلك الإجابة ، وقيل : أي استقيما على معرفتكما مقام السؤال وهو مقام الرضوان والبسط ليستجاب لكما بعد إذا دعوتما فإن من لم يعرف مقام السؤال قد يوقعه في غير مقامه فيسىء الأدب فلا يستجاب له ، وقيل : إن هذا عتاب لهما عليهما السلام أي قد أجيب دعوتكما لضعفكما عن تحمل وارد امتحاني فاستقيما بعد ذلك على تحمل بلائي والصبر فيه فإنه اللائق بشأنكما ، وقد قيل : المعرفة تقتضي الرضا بالقضاء والسكون في البلاء ، وقيل : أي استقيما في دعائكما والاستقامة في الدعاء على ما قال ذو النون المصري أن لا يغضب الداعي لتأخير الإجابة ولا يسأل سؤال خصوص نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.