فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ قَدۡ أُجِيبَت دَّعۡوَتُكُمَا فَٱسۡتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (89)

{ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فاستقيما } جعل الدعوة ها هنا مضافة إلى موسى وهارون ، وفيما تقدّم أضافها إلى موسى وحده ، فقيل : إن هارون كان يؤمِّن على دعاء موسى ، فسمي ها هنا داعياً ، وإن كان الداعي موسى وحده ، ففي أوّل الكلام أضاف الدعاء إلى موسى لكونه الداعي ، وها هنا أضافه إليهما تنزيلاً للمؤمن منزلة الداعي ، ويجوز أن يكونا جميعاً داعيين ، ولكن أضاف الدعاء إلى موسى في أوّل الكلام لأصالته في الرسالة . قال النحاس : سمعت عليّ بن سليمان يقول : الدليل على أن الدعاء لهما ، قول موسى ربنا ولم يقل : رب . وقرأ عليّ والسلمي «دعاؤكما » وقرأ ابن السميفع «دعواكما » . والاستقامة : الثبات على ما هما عليه من الدعاء إلى الله . قال الفراء وغيره : أمر بالاستقامة على أمرهما والثبات عليه ، على دعاء فرعون وقومه إلى الإيمان إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة أربعين سنة ، ثم أهلكوا . وقيل : معنى الاستقامة : ترك الاستعجال ولزوم السكينة ، والرضا والتسليم لما يقضي به الله سبحانه . قوله : { وَلاَ تَتَّبِعَانّ سَبِيلَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ } بتشديد النون للتأكيد ، وحرّكت بالكسر لكونه الأصل ، ولكونها أشبهت نون التثنية . وقرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على النفي لا على النهي . وقرئ بتخفيف الفوقية الثانية من تتبعان ، والمعنى : النهي لهما عن سلوك طريقة من لا يعلم بعادة الله سبحانه في إجراء الأمور على ما تقتضيه المصالح ، تعجيلاً وتأجيلاً .

/خ92