روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَأَمَّا ٱلۡغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَيۡنِ فَخَشِينَآ أَن يُرۡهِقَهُمَا طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗا} (80)

{ وَأَمَّا الغلام } الذي قتله { فَكَانَ أَبَوَاهُ } أي أبوه وأمه ففيه تغليب . واسم الأب على ما في الاتقان كازير والأم سهواً ، وفي مصحف أبي وقراءة ابن عباس { وَأَمَّا الغلام فَكَانَ الغلام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ } والمعنى على ذلك في قراءة السبعة إلا أنه ترك التصريح بكفره إشعاراً بعدم الحاجة إلى الذكر لظهوره . واستدل بتلك القراءة من قال : إن الغلام كان بالغاً لأن الصغير لا يوصف بكفر وإيمان حقيقيين . وأجاب النووي عن ذلك بوجهين ، الأول : أن القراءة شاذة لا حجة فيها ، الثاني : أنه سماع بما يؤل إليه لو عاش . وفي صحيح مسلم : أن الغلام طبع يوم طبع كافراً وأول بنحو هذا وكذا ما مر من خبر صاحب العرس والعرائس لكن في صحته توقف عندي لأنه ربما يقتضي بظاهره علم موسى عليه السلام بتأويل القتل قبل الفراق ، وعلى ما سمعت من التأويل لا يرد شيء مما ذكر على القول المنصور في الأطفال وهو أنهم مطلقاً في الجنة على أنه قيل الكلام في غير من أخبر الصادق بأنه كافر ، وقرأ أبو سعيد الخدري . والجحدري { فَكَانَ أَبَوَاهُ } وخرجه الزمخشري . وابن عطية . وأبو الفضل الرازي على أن في كان ضمير الشأن ، والجملة في موضع الخبر لهما ، وأجاز أبو الفضل أن يكون { مؤمنان } على لغة بني الحرث بن كعب فيكون منصوباً ، وأجاز أيضاً أن يكون في كان ضمير { وَأَمَّا الغلام } والجملة في موضع الخبر .

{ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا } فخفنا خوفاً شديداً أن يغشى الوالدين المؤمنين لو بقي حياً { طُغْيَانًا } مجاوزة للحدود الإلهية { وَكُفْراً } بالله تعالى وذلك بأن يحملهما حبه على متابعته كما روى عن ابن جبير ، ولعل عطف الكفر على الطغيان لتفظيع أمره ، ولعل ذكر الطغيان مع أن ظاهر السياق الاقتصار على الكفر ليتأتى هذا التفظيع أو ليكون المعنى فخشينا أن يدنس إيمانهم أولاً ويزيله آخراً ، ويلتزم هذا القول بأن ذلك أشنع وأقبح من إزالته بدون سابقية تدنيس ؛ وفسر بعد شراح البخاري الخشية بالعلم فقال : أي علمنا أنه لو أدرك وبلغ لدعا أبويه إلى الكفر فيجيبانه ويدخلان معه في دينه لفرط حبهما إياه ، وقيل : المعنى خشينا أن يغشيهما طغياناً عليهما وكفراً لنعمتهما عليه من تربيتهما إياه وكونهما سبباً لوجوده بسبب عقوقه وسوء صنيعه فيلحقهما شر وبلاء ، وقيل : المعنى خشينا أن يغشيهما ويقربن بإيمانهما طغيانه وكفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر ، وفي بعض الآثار أن الغلام كان يفسد وفي رواية يقطع الطريق ويقسم لأبويه أنه ما فعل فيقسمان على قسمه ويحميانه ممن يطلبه . واستدل بذلك من قال : إنه كان بالغاً ، والذاهب إلى صغره يقول إن ذلك لا يصح ولعل الحق معه ، والظاهر أن هذا من كلام الخضر عليه السلام أجاب به موسى عليه السلام من جهته ، وجوز الزمخشري أن يكون ذلك حكاية لقول الله عز وجل والمراد فكر هنا بجعل الخية مجازاً مرسلاً عن لازمها وهو الكراهة على ما قيل ، قال في «الكشف » : وذلك لاتحاد مقام المخاطبة كان سؤال موسى عليه السلام منه تعالى والخضر عليه السلام بإذن الله تعالى يجيب عنه وفي ذلك لطف ولكن الظاهر هو الأول انتهى ، وقيل : هو على هذا الاحتمال بتقدير فقال الله : خشينا والفاء من الحكاية وهو أيضاً بعيد ولا يكاد يلائم هذا الاحتمال الآية بعد إلا أن يجعل التعبير بالظاهر فيها التفاتاً ، وفي مصحف عبد الله وقراءة أبي فخاف ربك والتأويل ما سمعت . وقال ابن عطية : إن الخوف والخشية كالترجي بلعل ونحوها الواقع في كلامه تعالى مصروف إلى المخاطبين وإلا فالله جل جلاله منزه عن كل ذلك .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ وَأَمَّا الغلام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طغيانا وَكُفْراً } [ الكهف : 80 ] قيل : كان حسن الوجه جداً وكان محبوباً في الغاية لوالديه فخشى فتنتهما به ، والآية من المشكل ظاهراً لأنه إن كان قد قدر الله تعالى علهما الكفر فلا ينفعهما قتل الولد وإن لم يكن قدر سبحانه ذلك فلا يضرهما بقاؤه ، وأجيب بأن المقدر بقاؤهما على الإيمان إن قتل وقتله ليبقيا على ذلك .

وقيل : إن المقدر قد يغير ولا يلزم من ذلك سوى التغير في تعلق صفتاه تعالى لا في الصفة نفسها ليلزم التغير فيه عز وجل ، وقد تقدم الكلام في ذلك عند قوله تعالى : { يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب } [ الرعد : 39 ] .