روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَوَرَبِّكَ لَنَحۡشُرَنَّهُمۡ وَٱلشَّيَٰطِينَ ثُمَّ لَنُحۡضِرَنَّهُمۡ حَوۡلَ جَهَنَّمَ جِثِيّٗا} (68)

{ فَوَرَبّكَ } اقسامه باسمه عزت أسماؤه مضافاً إلى ضميره صلى الله عليه وسلم لتحقيق الأمر بالإشعار بعلته وتفخيم شأنه عليه الصلاة والسلام ورفع منزلته { لَنَحْشُرَنَّهُمْ } أي لنجمعن القائلين ما تقدم بالسوق إلى المحشر بعد ما أخرجناهم أحياء ، وفي القسم على ذلك دون البعث إثبات له على أبلغ وجه وآكده كأنه أمر واضح غني عن التصريح به بعد بيان إمكانه بما تقدم من الحجة البالغة وإنما المحتاج إلى البيان ما بعد ذلك من الأهوال ، وكون الضمير للكفرة القائلين هو الظاهر نظراً إلى السياق وإليه ذهب ابن عطية . وجماعة . ولا ينافي ذلك إرادة الواحد من الإنسان كما لا يخفى .

واستظهر أبو حيان أنه للناس كلهم مؤمنهم وكافرهم { والشياطين } معطوف على الضمير المنصوب أو مفعول معه . روي أن الكفرة يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين كانوا يغوونهم كل منهم مع شيطانه في سلسلة ، ووجه ذلك على تقدير عود الضمير للناس أنهم لما حشروا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين فقد حشروا معهم جميعاً على طرز ما قيل في نسبة القول إلى الجنس ، وقيل : يحسر كل واحد من الناس مؤمنهم وكافرهم مع قرينه من الشياطين ولا يختص الكافر بذلك . وقد يستأنس له بما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعاً «ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن قالوا : وإياك يا رسول الله قال : وإياي إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير » { ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } باركين على الركب ، وأصله جثوو بواوين فاستثقل اجتماعهما بعد ضمتين فكسرت الثاء للتخفيف فانقلبت الواو الأول ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فاجتمعت واو وياء وسبقت احداهما بالسكون فقلبت الواو ياء فأدغمت الياء في الياء وكسرت الجيم اتباعاً لما بعدها .

وقرأ غير واحد من السبعة بضمها وهو جمع جاث في القراءتين ، وجوز الراغب كونه مصدراً نظير ما قيل في بكى وقد مر ، ولعل إحضار الكفرة بهذه الحال إهانة لهم أو لعجزهم عن القيام لما اعتراهم من الشدة .

/ وقال بعضهم : إن المحاسبة تكون حول جهنم فيجثون لمخاصمة بعضهم بعضاً ثم يتبرأ بعضهم من بعض ، وقال السدى : يجثون لضيق المكان بهم فالحال على القولين مقدرة بخلافه على ما تقدم . وقيل : إنها عليه مقدرة أيضاً لأن المراد الجثى حول جهنم ، ومن جعل الضمير للكفرة وغيرهم قال : إنه يحضر السعداء والأشقياء حول جهنم ليرى السعداء ما نجاهم الله تعالى منه فيزدادوا غبطة وسروراً وينال الأشقياء ما ادخروا لمعادهم ويزدادوا غيظاً من رجوع السعداء عنهم إلى دار الثواب وشماتتهم بهم ويجثون كلهم ثم لما يدهمهم من هول المطلق أو لضيق المكان أو لأن ذلك من توابع التواقف للحساب والتقاول قبل الوصول إلى الثواب والعقاب ، وقيل : إنهم يجثون على ركبهم إظهاراً للذل في ذلك الموطن العظيم ، ويدل على جثى جميع أهل الموقف ظاهر قوله تعالى : { وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } [ الجاثية : 28 ] لكن سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى ما هو ظاهر في عدم جثى الجميع من الأخبار والله تعالى أعلم ، والحال قيل : مقدرة ، وقيل : غيره مقدرة إلا أنه أسند ما للبعض إلى الكل ، وجعلها مقدرة بالنسبة إلى السعداء وغير مقدرة بالنسبة إلى الأشقياء لا يصح ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه فسر { جِثِيّاً } بجماعات على أنه جمع جثوة وهو المجموع من التراب والحجارة أي لنحضرنهم جماعات .