السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَوَرَبِّكَ لَنَحۡشُرَنَّهُمۡ وَٱلشَّيَٰطِينَ ثُمَّ لَنُحۡضِرَنَّهُمۡ حَوۡلَ جَهَنَّمَ جِثِيّٗا} (68)

ثم إنه تعالى لما قرّر المطلوب بالدليل أردفه بالتهديد من وجوه أوّلها قوله تعالى : { فوربك } أي : المحسن إليك بالانتقام منهم { لنحشرنهم } بعد البعث { والشياطين } الذين يضلونهم بأن نحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة وفائدة القسم أمران :

أحدهما : أن العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين والثاني : في إقسام الله باسمه مضافاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تفخيم لشأنه ورفع منه كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله تعالى : { فورب السماء والأرض أنه لحق } [ الذاريات ، 23 ] والواو في { والشياطين } يجوز أن تكون للعطف وبمعنى مع وهو أولى . ثانيها : قوله تعالى { ثم لنحضرنهم } بعد طول الوقوف { حول جهنم } من خارجها ليشاهد السعداء الأحوال التي نجاهم الله تعالى منها وخلصهم فيزدادوا لذلك غبطة إلى غبطتهم وسروراً إلى سرورهم ويشمتوا بأعداء الله وأعدائهم فتزداد مساءتهم وحسرتهم وما يغبطهم من سعادة أولياء الله وشماتتهم بهم وقوله تعالى : { جثياً } حال مقدرة من مفعول { لنحضرنهم } وهو جمع جاث جمع على فعول نحو قاعد وقعود وجالس وجلوس وأصله جثوو بواوين أو جثوى من جثاً يجثو ويجثى لغتان .

فإن قيل : هذا المعنى حاصل للكل بدليل قوله تعالى : { وترى كل أمّة جاثية } [ الجاثية ، 28 ] ولأنّ العادة جارية بأنّ الناس في مواقف مطالبات الملوك يتجاثون على ركبهم لما في ذلك من القلق أو لما يدهمهم من شدّة الأمر التي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم ، وإذا كان هذا حاصلاً للكل فكيف يدل على مزيد ذل الكفار ؟ أجيب : بأنهم يكونون من وقت الحشر إلى وقت الحضور على هذه الحالة وذلك يوجب مزيد ذلهم وقرأ حفص وحمزة والكسائي { جثياً } و{ عتياً } و{ صلياً } بكسر أوّلها والباقون بضمه .