مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَوَرَبِّكَ لَنَحۡشُرَنَّهُمۡ وَٱلشَّيَٰطِينَ ثُمَّ لَنُحۡضِرَنَّهُمۡ حَوۡلَ جَهَنَّمَ جِثِيّٗا} (68)

أحدها : قوله : { فوربك لنحشرنهم والشياطين } وفائدة القسم أمران : أحدهما : أن العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين . والثاني : أن في إقسام الله تعالى باسمه مضافا إلى اسم رسوله صلى الله عليه وسلم تفخيم لشأنه صلى الله عليه وسلم ورفع منه كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله : { فورب السماء والأرض إنه لحق } والواو في { الشياطين } ويجوز أن تكون للعطف وأن تكون بمعنى مع وهي بمعنى مع أوقع ، والمعنى أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة . وثانيها : قوله : { ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا } وهذا الإحضار يكون قبل إدخالهم جهنم ثم إنه تعالى يحضرهم على أذل صورة لقوله تعالى : { جثيا } لأن البارك على ركبتيه صورته صورة الذليل أو صورته صورة العاجز ، فإن قيل هذا المعنى حاصل للكل بدليل قوله تعالى : { وترى كل أمة جاثية } والسبب فيه جريان العادة أن الناس في مواقف المطالبات من الملوك يتجاثون على ركبهم لما في ذلك من الاستنظار والقلق ، أو لما يدهمهم من شدة الأمر الذي لا يطيقون معه القيام على أرجلهم ، وإذا كان هذا عاما للكل فكيف يدل على مزيد ذل الكفار ؟ قلنا : لعل المراد أنهم يكونون من وقت الحشر إلى وقت الحضور في الموقف على هذه الحالة وذلك يوجب مزيد الذل في حقهم .