اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَوَرَبِّكَ لَنَحۡشُرَنَّهُمۡ وَٱلشَّيَٰطِينَ ثُمَّ لَنُحۡضِرَنَّهُمۡ حَوۡلَ جَهَنَّمَ جِثِيّٗا} (68)

ثم إنه تعالى لما قرر المطلوب بالدليل{[21978]} أردفه بالتشديد{[21979]} فقال { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشياطين } أي : لنجمعنهم في المعاد ، يعني المشركين المنكرين للبعث مع الشياطين ، وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة .

وفائدة القسم أمران : أحدهما{[21980]} : أنَّ العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين .

والثاني : أنَّ في قسام الله -تعالى- باسمه{[21981]} مضافاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعاً{[21982]} منه لشأنه كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله : { فَوَرَبِّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ }{[21983]} . والواو في " والشَّياطين " يجوز أن تكون للعطف{[21984]} ، وبمعنى " مع " {[21985]} وهي بمعنى " مع " أوقع{[21986]} . والمعنى ، أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغروهم . { ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ } أي : نحضرهم على أذل صورة لقوله : { جِثِيًّا } لأنَّ البارك على ركبتيه صورته الذليل ، أو صورة العاجز{[21987]} .

فإن قيل : هذا المعنى حاصل للكل لقوله : { وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً }{[21988]} ، ولأنَّ العادة جارية بأنَّ الناس في مواقف{[21989]} مطالبات الملوك يتجاثون على ركبهم لما في ذلك من القلق ، أة لما يدهمهم من شدة الأمر التي لا يطيقون معه{[21990]} القيام على أرجلهم وإذا{[21991]} كان حاصلاً{[21992]} للكل ، فكيف يدل على مزيد ذل الكفار .

فالجواب : لعل المراد أنهم يكونون من وقت الحشر إلى وقت الحضور في الموقف على هذه{[21993]} الحال ، وذلك يوجب مزيد ذلهم{[21994]} .

قوله : { جِثِيًّا } حال مقدرة{[21995]} من مفعول " لنُحْضرنَّهُمْ " {[21996]} . و " جِثِيًّا " جمع جاثٍ جمع على فعول ، نحو قَاعد وقُعُود ، وجَالس وجُلوس ، وفي لامه{[21997]} لغتان :

أحدهما : الواو .

والأخرى : الياء .

يقال : جَثَا يَجْثُو جُثُوًّا ، وجَثَا يَجْثِي جِثِيًّا{[21998]} .

فعلى التقدير الأول : يكون أصله جُثُوو . بواوين الأولى زائدة علامة للجمع والثانية لام الكلمة ، ثم أعلت إعلال عِصِيّ ودليّ ، وتقدم تحقيقه في " عِتيًّا " {[21999]} .

وعلى الثاني يكون الأصل : جُثُوياً ، فأعل إعلال هيِّن وميِّت{[22000]} .

وعن ابن عباس : أنه بمعنى جماعات جماعات ، جمع جثْوة ، وهو المجموع من التراب والحجارة{[22001]} ، وفي صحته عنه نظر من حيث إنَّ فعلهُ لا يجمع على فعول . ويجوز في " جِثِيًّا " أن يكون مصدراً على فعول{[22002]} ، وأصله كما تقدم في حال كونه جمعاً ، إمَّا جُثُوو ، وإمَّا جُثُوي{[22003]} .

وقد تقدم أنَّ الأخوين{[22004]} يكسران فاءه ، والباقون يضمونها{[22005]} .

والجثوّ : القعود على الركب{[22006]} .


[21978]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 21/242 -243.
[21979]:في ب: بالدليل بالتهديد.
[21980]:في ب: الأول.
[21981]:في الأصل: بنفسه.
[21982]:في الأصل: رفع.
[21983]:[الذاريات: 23].
[21984]:في ب: للتعظيم. وهو تحريف.
[21985]:ما بين القوسين سقط من ب.
[21986]:على العطف تكون "الشياطين" معطوفة على الضمير في "لنحشرنّهم"، وعلى كونها بمعنى (مع) يكون ما بعد الواو منصوبا على المفعول معه، والمعنى: لنحشرنهم في صحبة الشياطين. الكشاف 2/418.
[21987]:في ب: لأن البارك على ركبته صورة الذليل أو صورة الفاجر.
[21988]:[الجاثية: 28].
[21989]:في ب: بمواقع.
[21990]:في الأصل: معها.
[21991]:في ب: ولما.
[21992]:في الأصل: حاصل.
[21993]:في ب: هذا.
[21994]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 21/242-243.
[21995]:الحال المقدرة: هي الحال المستقبلة، وهي ما لم تحدث بعد، ولكن يقدر وينتظر حدوثها مثل: مررت برجل معه صقر صائدا به غدا، أي: مقدرا ذلك، وعليه بـ (جثيا) كوصف للكفار والشياطين لم يتحقق بعد، ولكنه سيتحقق يوم القيامة. انظر المغني 2/465، والأشموني 2/193.
[21996]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/60، الكشاف 2/419، البيان 2/130.
[21997]:في ب: الآية. وهو تحريف.
[21998]:قال ابن منظور: (جثا يجثو ويجثي جثوا وجثيا على فعول فيهما، جلس على ركبته للخصومة ونحوها) اللسان (جثا).
[21999]:عند قوله تعالى: {قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا} [مريم: 8]. انظر اللباب 5/401.
[22000]:تقلب الواو ياء إذا اجتمعت مع الياء في كلمة، وكان السابق منهما ساكنا، ثم تدغم الياء في الياء، فأصل: جثيّ (على أن لامه ياء) وهيّن وميّت، جثوي وهيون وميوت قلبت الواو للعلة السابقة وأدغمت الياء في الياء فصار: جثيا، وهنيا، وميتا، ثم في (جثيا) تقلب ضمة الثاء كسرة لمناسبة الياء المشددة ثم يتبع كسر الثاء كسر الجيم. شرح الشافية 3/139.
[22001]:البحر المحيط 6/208.
[22002]:مشكل إعراب القرآن 2/60، البيان 2/130.
[22003]:أي: أنه قد تكون لامه واوا أو ياء، فإذا كانت لامه واوا جاز الإعلال والتصحيح، والغالب التصحيح لخفة المفرد. شرح الشافية 3/171، شرح الأشموني 4/327.
[22004]:في الأصل: الأخوان، والأخوان هما: حمزة والكسائي.
[22005]:السبعة: (407). الحجة لابن خالويه (235) الكشف 2/84، النشر 2/317، الإتحاف (298). فمن قرأ بكسر الجيم يتبع الكسر الكسر طلبا للمجانسة، والخفة، ومن قرأ بالضم فعلى الأصل الكشف 2/84-85، البيان 2/130.
[22006]:اللسان (جثا).