{ أَوْ كُلَّمَا عاهدوا عَهْدًا } نزلت في مالك بن الصيف قال : والله ما أخذ علينا عهد في كتابنا أن نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا ميثاق ، وقيل : في اليهود عاهدوا إن خرج لنؤمنن به ولنكونن معه على مشركي العرب فلما بعث كفروا به ، وقال عطاء : في اليهود عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير ، والهمزة للإنكار بمعنى ما كان ينبغي ، وفيه إعظام ما يقدمون عليه من تكرر عهودهم ونقضها حتى صار سجية لهم وعادة ، وفي ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم وإشارة إلى أنه ينبغي أن لا يكترث بأمرهم وأن لا يصعب عليه مخالفتهم ، والواو للعطف على محذوف أي أكفروا بالآيات وكلما عاهدوا ، وهو من عطف الفعلية على الفعلية لأن { كُلَّمَا } ظرف { نَّبَذَهُ } والقرينة على ذلك المحذوف قوله تعالى : { وَمَا يَكْفُرُ بِهَا } [ البقرة : 99 ] الخ ، وبعضهم يقدر المعطوف مأخوذاً من الكلام السابق ويقول بتوسط الهمزة بين المعطوف والمعطوف عليه لغرض يتعلق بالمعطوف خاصة ، والتقدير عنده نقضوا هذا العهد وذلك العهد { أَوْ كُلَّمَا عاهدوا } وفيه مع ارتكاب ما لا ضرورة تدعو إليه أن الجمل المذكورة بقربه ليس فيها ذكر نقض العهد ، وقال الأخفش : هي زائدة ، والكسائي هي أوْ الساكنة حركت واوها بالفتح وهي بمعنى بل ولا يخفى ضعف القولين ، نعم قرأ ابن السماك العدوي وغيره ( أو ) بالإسكان وحينئذٍ لا بأس بأن يقال : إنها إضرابية بناءً على رأي الكوفيين وأنشدوا :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى *** وصورتها ( أو ) أنت في العين أملح
والعطف على هذا على صلة الموصول الذي هو اللام في ( الفاسقون ) ميلاً إلى جانب المعنى وإن كان فيه مسخ اللام الموصولة ، كأنه قيل : إلا الذين فسقوا بل كلما عاهدوا والقرينة على ذلك { بَلْ أَكْثَرُهُمْ } الخ ، وفيه ترق إلى الأغلظ فالأغلظ ، ولك أن لا تميل مع المعنى بل تعطف على الصلة وأل تدخل على الفعل بالتبعية في السعة كثيراً كقوله تعالى : { إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ } [ الحديد : 8 1 ] لاغتفارهم في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل .
ومن الناس من جوّز هذا العطف باحتماليه على القراءة الأولى أيضاً ولم يحتج إلى ذلك المحذوف وقرأ الحسن وأبو رجاء { عوهدوا } وانتصاب ( عهداً ) على أنه مصدر على غير الصدر أي معاهدة ويؤيده أنه قرئ { مَا عاهدوا } أو على أنه مفعول به بتضمين ( عاهدوا ) معنى أعطوا .
{ نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مّنْهُم } أي نقضه وترك العمل به ، وأصل النبذ / طرح ما لا يعتد به كالنعل البالية لكنه غلب فيما من شأنه أن ينسى لعدم الاعتداد به ، ونسبة النبذ إلى العهد مجاز والنبذ حقيقة إنما هو في المتجسدات نحو
{ فأخذناه وَجُنُودَهُ فنبذناهم في اليم } [ القصص : 0 4 ] والفريق اسم جنس لا واحد له يقع على القليل والكثير ، وإنما قال : ( فريق ) لأن منهم من لم ينبذه . وقرأ عبد الله { نقضه } قال في «البحر » : وهي قراءة تخالف سواد المصحف فالأولى حملها على التفسير وليس بالقوي إذ لا يظهر للتفسير دون ذكر المفسر خلال القراءة وجه .
{ مّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } يحتمل أن يراد بالأكثر النابذون ، وأن يراد من عداهم فعلى الأول : يكون ذلك رداً لما يتوهم أن الفريق هم الأقلون بناءً على أن المتبادر منه القليل وعلى الثاني : رد لما يتوهم أن من لم ينبذ جهاراً يؤمنون به سراً ، والعطف على التقديرين من عطف الجمل ، ويحتمل أن يكون من عطف المفردات بأن يكون أكثرهم معطوفاً على { فَرِيقٌ } وجملة { لاَ يُؤْمِنُونَ } حال من { أَكْثَرُهُمْ } والعامل فيها { نَّبَذَهُ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.