الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (100)

{ أَوَكُلَّمَا } واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام . كما يدخل على الفاء في قوله { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ } [ يونس : 42 ] { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ } [ الكهف : 50 ] وعلى ثمّ كقوله تعالى { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ } [ يونس : 51 ] ونحوها .

وقرأ ابن السّماك العدوي : ساكنة الواو على النسق و ( كلما ) نصب على الظرف . { عَاهَدُواْ عَهْداً } يعني اليهود .

قال ابن عبّاس : لِمَا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ الله عليهم وما عهد إليهم فيه .

قال مالك بن الصّيف : إنّ الله ما عهد إلينا في محمد عهد ولا ميثاق فأنزل الله تعالى هذه الآية يوضحه قراءة أبي رجاء العطاردي : أوكلما عوهدوا عهداً لعنهم الله ، دليل هذا التأويل قوله { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ }الآية[ آل عمران : 187 ] .

وقال بعضهم : هو أنّ اليهود تعاهدوا لئن خرج محمّد ليؤمنن به ولنكونن معه على مشركي العرب ، وننفيهم من بلادهم ، فلما بعث نقضوا العهد وكفروا به دليله ونظيره قوله عزّ وجلّ { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ } [ البقرة : 101 ] .

وقال عطاء : هي العهود التي كانت بين رسول الله وبين اليهود فنقضوها كفعل قريظة والنّضير دليله قوله { الَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ } [ الأنفال : 56 ] . { نَّبَذَهُ } أي رفضه وفي قول عبد الله : نقضه . { فَرِيقٌ مِّنْهُم } طوائف من اليهود . { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } فأصل النبذ الرّمي والرفض له ، وأنشد الزجاج :

نظرت إلى عنوانه فنبذته *** كنبذك نعلاً اخلقت من نعالكا

وهذا مثل من يستخف بالشيء ولا يعمل به ، تقول العرب : اجعل هذا خلف ظهرك ، ودبر اذنك ، وتحت قدمك : أي أتركه واعرض عنه قال الله تعالى : { وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } [ هود : 92 ] ، وأنشد الفراء :

تميم بن قيس لا تكونن حاجتي *** بظهر ولا يعبأ عليَّ جوابها

قال الشعبي : هو بين أيديهم يقرؤنه ولكن نبذوا العمل به :

وقال سفيان بن عيينة : أدرجوه في الحرير والدّيباج وحلّوه بالذّهب والفضّة ولم يحلّوا حلاله ولم يحرّموا حرامه فذلك النبذ .