روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

{ وَأَقِيمُواْ الصلاة وَءاتُواْ الزكواة } المراد بهما سواء كانت اللام للعهد أو للجنس صلاة المسلمين وزكاتهم لأن غيرهما مما نسخه القرآن ملتحق بالعدم ، والزكاة في الأصل النماء والطهارة ، ونقلت شرعاً لإخراج معروف ، فإن نقلت من الأول فلأنها تزيد بركة المال وتفيد النفس فضيلة الكرم ، أو لأنها تكون في المال النامي وإن نقلت من الثاني فلأنها تطهر المال من الخبث والنفس من البخل . واستدل بالآية حيث كانت خطاباً لليهود من قال : إن الكفار مخاطبون بالفروع واحتمال أن يكون الأمر فيها بقبول الصلاة المعروفة والزكاة والإيمان بهما ، أو أن يكون أمراً للمسلمين كما قاله الشيخ أبو منصور خلاف الظاهر فلا ينافي الاستدلال بالظاهر ، وقدم الأمر بالصلاة لشمول وجوبها ولما فيها من الإخلاص والتضرع للحضرة ، وهي أفضل العبادات البدنية وقرنها بالزكاة ؛ لأنها أفضل العبادات المالية ، ثم من قال : لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب قال : إنما جاء هذا بعد أن بين صلى الله عليه وسلم أركان ذلك وشرائطه ، ومن قال بجوازه قال بجواز أن يكون الأمر لقصد أن يوطن السامع نفسه كما يقول السيد لعبده إني أريد أن آمرك بشيء فلا بد أن تفعله

{ واركعوا مَعَ الركعين } أي صلوا مع المصلين وعبر بالركوع عن الصلاة احترازاً عن صلاة اليهود فإنها لا ركوع فيها وإنما قيد ذلك بكونه مع الراكعين لأن اليهود كانوا يصلون وحداناً فأمروا بالصلاة جماعة لما فيها من الفوائد ما فيها ، واستدل به بعضهم على جوبها . ومن لم يقل به حمل الأمر على الندب أو المعية على الموافقة وإن لم يكونوا معهم ، وقيل : الركوع الخضوع والانقياد لما يلزمهم من الشرع قال الأضبط السعدي :

لا تذلّ الفقيرَ علّك أن *** ( تركع ) يوماً والدهرُ قد رفعه

ولعل الأمر به حينئذ بعد الأمر بالزكاة لما أنها مظنة ترفع فأمروا بالخضوع لينتهوا عن ذلك إلا أن الأصل في إطلاق الشرع المعاني الشرعية : وفي المراد بالراكعين قولان : فقيل : النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقيل : الجنس وهو الظاهر .

( ومن باب الإشارة في قوله تعالى :{ وأقيموا الصلاة } بمراقبة القلوب { وآتوا الزكاة } أي بالغوا في تزكية النفس عن الصفات الذميمة لتحصل لكم التحلية بعد التخلية ، أو أدوا زكاة الهمم فإن لها زكاة كزكاة النعم بل إن لكل شيء زكاة كما قيل :

كل شيء له ( زكاة ) *** وزكاة الجمال رحمة مثلي

{ واركعوا } [ البقرة : 43 ] أي اخضعوا لما يفعل بكم المحبوب ، فالخضوع علامة الرضا الذي هو ميراث تجلي الصفات العلى ، وحاصله ارضوا بقضائي عند مطالعة صفاتي فإن لي أحباباً لسان حال كل منهم يقول :

وتعذيبكم عذب لدي وجوركم *** عليَّ بما يقضي الهوى لكم عدل