روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{۞وَعَنَتِ ٱلۡوُجُوهُ لِلۡحَيِّ ٱلۡقَيُّومِۖ وَقَدۡ خَابَ مَنۡ حَمَلَ ظُلۡمٗا} (111)

{ وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَىّ القيوم } أي ذلت وخضعت خضوع العناة أي الأسارى ، والمراد بالوجوه إما الذوات وإما الأعضاء المعلومة وتخصيصها بالذكر لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة وآثار الذل أول ما تظهر فيها ، وأل فيها للعهد أو عوض عن المضاف إليه أي وجوه المجرمين فتكون الآية نظير قوله تعالى : { سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ } [ الملك : 27 ] واختار ذلك الزمخشري وجعل قوله تعالى : { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } اعتراضاً ووضع الموصول موضع ضميرهم ليكون أبلغ ، وقيل : الوجوه الإشراف أي عظماء الكفرة لأن المقام مقام الهيبة ولصوق الذلة بهم أولى والظلم الشرك وجملة { وَقَدْ خَابَ } الخ حال والرابط الواو لا معترضة لأنها في مقابلة { وهو مؤمن } [ طه : 112 ] فيما بعد انتهى . قال صاحب الكشف : الظاهر مع الزمخشري والتقابل المعنوي كاف فإن الاعتراض لا يتقاعد عن الحال انتهى .

وأنت تعلم أن تفسير الظلم بالشرك مما لا يختص بتفسير الوجوه بالإشراف وجعل الجملة حالاً بل يكون على الوجه الأول أيضاً بناءً على أن المراد بالمجرمين الكفار ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال في قوله تعالى : { وَقَدْ خَابَ } الخ خسر من أشرك بالله تعالى ولم يتب ، وقال غير واحد : الظاهر أن أل للاستغراق أي خضعت واستسلمت جميع الوجوه . وقوله تعالى : { وَقَدْ خَابَ } الخ يحتمل الاستئناف والحالية ، والمراد بالموصول إما المشركون وإما ما يعمهم وغيرهم من العصاة وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم فخيبة المشرك دائمة وخيبة المؤمن العاصي مقيدة بوقت العقوبة إن عوقب . وقد تقدم لك معنى الحي القيوم في آية الكرسي .